إبراهيم الأمين
يبدو أن التطورات التي تجري في لبنان حالياً مرشّحة لمزيد من التفاقم خلال المرحلة المقبلة، وذلك ربطاً بالمجريات السياسية التي أقفلت على مشكلة كبيرة قد تتطوّر إلى ما هو أكثر قسوة في المرحلة المقبلة، وخصوصاً أنّه لا أحد يقبل الفصل بين العناوين الداخلية محل الإثارة. فكيف إذا كان فريق 14 آذار يتعامل مع الحركة المطلبية على أساس أنها غطاء لتحرك سياسي تعد له المعارضة، وهو الكلام الذي قاله صراحة الرئيس فؤاد السنيورة في معرض حديثه عن التحركات المطلبية التي تقوم هنا وهناك.
وفيما يبدو أن الموقف في طريقه إلى مزيد من التصعيد، فإن مجموعة قوى في فريق 14 آذار، ولا سيما تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» والحزب الجنبلاطي في طريقها إلى إعداد برنامج تحرك مقابل، قد يأخذ عنواناً مطلبياً لناحية استخدام قوى عاملة في النقابات، لكنها تتبع سياسياً لفريق السلطة، علماً بأن النقاش الجاري لدى فريق السلطة يقول بأن المعارضة تستعد للقيام بما من شأنه خلق فوضى في البلاد بصورة قابلة للتوسع نحو انفجار كبير، وأن على فريق السلطة عدم الانجرار إلى أي مواجهة من النوع الذي يحقق غرض المعارضة بالانفجار.
وبين قرار مبدئي لدى فريق 14 آذار بالاستنفار دون المواجهة، فإن المعلومات التي توافرت أمس عن الاتصالات كشفت عن نقاش في اعتماد خيار من اثنين: الأول يقول بالمواجهة لأجل منع المعارضة من الإمساك بالشارع أو اللجوء إلى آلية ابتزاز من النوع الذي يتيح لها تكرار الأمر متى أرادت، والثاني يقول بالانسحاب من أي مواجهة وعدم الاحتكاك بأي تجمع احتجاجي تلجأ إليه المعارضة في أي مكان من لبنان، وترك الأمر إلى قيادة الجيش لتواجه هي وقوى الأمن الداخلي الوضع من خلال ما تراه مناسباً، علماً بأن ثمة من يعتقد في فريق الأكثرية أن اليوم سوف يكون أول اختبار لقيادة الجيش اللبناني منذ إعلان فريق 14 آذار ترشيح قائده العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية.
وبحسب المعلومات، فإن القوى الأمنية التي تمون عليها قوى الأكثرية، تعمل على ضبط الوضع في إطار عدم حصول المواجهة الكبرى، رغم أن معلومات هذه القوى لا تشير إلى وجود نية لدى أطراف المعارضة للقيام بعمل كبير يشبه ما حصل العام الماضي في مثل هذه الأيام. لكن هذه القوى ترى أن المعارضة هي من أفشل مسعى عمرو موسى الأخير، بقصد إيصال الأمور إلى المرحلة التي تتيح لها النزول إلى الشارع. وبحسب تحليل فريق الأكثرية، ليس لدى المعارضة أيّ سبب وجيه للنزول إلى الشارع غير التلطي وراء القضايا المطلبية، علماً بأن النقاش داخل فريق الأكثرية في هذا الأمر لحظ في فترة ما إجبار الرئيس السنيورة على تغيير عاداته لناحية اتخاذ حكومته قرارات شعبية، ولو أتت على حساب ما يراه هو مقدساً لناحية حصر النفقات. لكن الأمر الأصعب برأي هذا الفريق هو أن قوى المعارضة لا تملك وسائل نقابية جدية يمكنها أن تختفي خلفها، وهي تقول ذلك في معرض تفسيرها لكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير عن أن المعارضة إن لجأت إلى تحرك شعبي، فهي لن تقف خلف القضايا المطلبية، بل سوف تلجأ إلى تحرّك بعناوين سياسية واضحة، وهو الأمر الذي كان أمس أيضاًَ مدار مناقشات بين قيادات المعارضة تحضيراً للخطوة التالية التي يعرف الجميع أنها سوف تكون رهن الموقف الذي سيصدر عن الاجتماع الوزاري العربي في السابع والعشرين من الشهر الجاري، وتوضح الموقف من القمة العربية المقبلة، وخصوصاً أن معلومات المعارضة، ولا سيما الرئيس نبيه بري، تقول إن المقترح السعودي لعقد قمة طارئة إنما يهدف إلى تحقيق أمرين: الأول إلغاء القمة العربية العادية المقررة في دمشق في آذار المقبل، والثاني اتخاذ قرار مبكر، ولو من دون موافقة سوريا على فرض انتخاب رئيس جديد للبنان، دون رهن هذه الخطوة بالاتفاق السياسي الداخلي على المسائل الأخرى. وهو فحوى الموقف الذي صدر عن قوى 14 آذار التي وجدت أن من المفيد الآن التراجع عن المناقشات التي لم تصل إلى نتيجة بشأن الحكومة والأمور الأخرى وجعل جدول الأعمال العربي والدولي يقتصر على بند واحد، هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وترك الأمور الخلافية إلى المرحلة اللاحقة، حيث يعتقد بعض قادة هذا الفريق أن المناخ العربي والدولي مناسب لخطوة من هذا النوع، وأن انتخاب رئيس لا يفرض متغيرات كبيرة، لناحية الوضع الحكومي، إذ إن استقالة حكومة الرئيس السنيورة سوف تكون تلقائية، وبالتالي تُسحب حجة من يد المعارضة التي تطالب باستقالة الحكومة، وتبقى الحكومة الحالية تقوم بمهمة تصريف الأعمال ريثما يصار إلى الاتفاق على تأليف حكومة جديدة، وبالتالي فإن الأكثرية لا ترى موجباً لتأليف حكومة جديدة من طرف واحد وتبقي الأمور على ما هي عليه إلى ما شاء الله.
إلا أن الاختبار الخاص بالقوى الأمنية ليس محدد الوجهة. بمعنى أنه إذا كان في فريق الأكثرية وفي العالم العربي وبعض العواصم الغربية من يراقب سلوك الجيش اللبناني إزاء تحركات نوعية لقوى المعارضة بغية التأكّد من وجهة تحرّك قائد الجيش، فإنّ المعارضة بدورها تراقب سلوك الجيش، ولديها معلومات تدفعها إلى الاعتقاد بأن الجيش لن يكون طرفاً في المعادلة القائمة حالياً، بل إن قيادة الجيش، وتحديداً العماد سليمان، معنيّ الآن بإثبات حياديته، وأنه لا ينتمي إلى فريق الأكثرية ولا يعمل عندها، ولو رشحته للانتخابات الرئاسية. والنتيجة سوف تكون نقل الجيش إلى موقع الحياد التام الذي يعني فتح الباب أمام مواجهة مباشرة بين المعارضة والموالاة التي لا يمكنها الاتكال كثيراً على قوى الأمن الداخلي التي سوف تكون عرضة للتفجير والانقسام خلال ساعات قليلة إذا تطوّر الوضع السياسي في البلاد نحو مرحلة المواجهة الشاملة.
ومع ذلك، فإنّ الأكيد هو أن تحرّك اليوم الذي تقوده قوى نقابية على صلة قوية بالمعارضة لا يندرج في إطار البرنامج العملي الذي قد تلجأ إليه المعارضة بغية فرض متغيرات سياسية. وفي ظل انسحاب مرجّح للقوى العسكرية والأمنية (ما لم تحصل مفاجآت) فإن الأكثرية سوف تكون أمام السؤال الأصعب: هل تبادر إلى احتواء الموقف من خلال تنازل سياسي، وهو أمر غير متوقع، أم تدفع بجمهورها نحو مواجهة أهلية من النوع الخطير؟