إبراهيم الأمين
هل نجح فريق الأكثرية في نقل المشكلة إلى المعارضة؟ وما هي حدود الضغط الذي تمارسه القوى العالمية والإقليمية لفرض انتخاب الرئيس الجديد خلال أيام؟
مشروعية الأسئلة تنطلق من الحسابات التي رافقت انتقال المعركة على التعديل الدستوري، حين بادر الأميركيون إلى التنحي جانباً في الشكل، وإلى ترك فرنسا تتولى ممارسة الضغوط المباشرة على سوريا وعلى قوى في المعارضة، وسط انطباعات بأن هناك إمكاناً لتحويل انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية إلى مشكلة لدى المعارضة.
ومن دون مواربة، يُظهر الرئيس نبيه بري تفهماً للضغط الحاصل، حتى أن استعجاله إنجاز الانتخاب خلال وقت قصير أثار أسئلة كثيرة عن خلفية الموقف وأبعاده، وخاصة أن بري، الذي بدا ملتزماً إلى آخر الحدود في الجولات التفاوضية السابقة، عاد ليظهر الآن مظهر المالك لهامش كبير من المناورة، بما في ذلك القدرة على التفلّت من الضوابط التي حكمت علاقته بقوى المعارضة في العام الأخير.
وبحسب المتابعين، فإن بري يرى أنه لم يعد هناك مجال لتوسيع هامش المناورة لدى قوى المعارضة، لأن مطلب إجراء الانتخاب الرئاسي وفق الدستور، أي وفق نصاب الثلثين، أمر قيد التحقيق، وفريق الأكثرية تراجع عن مغامرة النصف الزائد واحداً. ثم إن قوى 14 آذار تخلّت سريعاً عن مرشحيها للرئاسة، وخسرت سياسياً وشعبياً على الصعيد المسيحي، وقبلت بمرشح كان على الدوام خصمها، بمعنى أنه لم يكن وارداً في حساباتها، وهو العماد سليمان، الذي كان واحداً من مرشّحي المعارضة، بمن في ذلك العماد عون نفسه.
ويرى بري أن التطور الإضافي يكمن في ما يراه تنازلاً من جانب فريق الأكثرية لناحية القبول بتوزّع القوى نسبياً داخل الحكومة، أي تحقيق ما هو أكثر من الثلث المعطل، وهو ما سينعكس إيجاباً على قوى المعارضة داخل الحكومة، كما يعتقد بري، الذي يرى أن مصلحة المعارضة الآن هي الإمساك بالحل الذي يأتي برئيس صديق لها، وبحكومة تتيح لها المشاركة الفعلية في القرار، وعدم أخذ البلاد إلى أمكنة أخرى.
كما يرى بري أن الموقف الخارجي بات أفضل من السابق، وأن فرنسا، التي تتحدث الآن باسم الأوروبيين كما باسم الأميركيين، باتت على مسافة من قوى 14 آذار، وأن الأمر انعكس خلال المفاوضات الأخيرة، وأن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير كان ضامناً لتفاهمات مبدئية مع النائب سعد الحريري في ما يتعلق بسلة التفاهم السياسي الخاص بالمرحلة المقبلة.
وأكثر من ذلك، فإن بري يستند ضمناً إلى أن سوريا اليوم هي غير سوريا قبل ستة شهور، وأن الفرنسيين فاوضوا سوريا على الملف اللبناني باسم المجتمع الدولي كله، ونالت سوريا ضمانات من النوع الذي كانت تحتاجه، وقد كسرت عزلتها، وإذا سهّلت التوافق على ما هو مقترح، فسوف تكون أمام مجموعة تقديمات تحتاجها. ويبدو بري في هذه النقطة مراهناً على أمرين: إما تراجع سوريا عن ممارسة الضغوط عليه لمنعه من السير في تفاهم لا تراه دمشق مناسباً، وإما أنها تمارس ضغطاً معاكساً بحيث تدعو الفريق الحليف لها في لبنان، من بري وحزب الله وآخرين، للسير في هذا التفاهم. ويستند بري في هذا المجال إلى معطيات مصدرها أوروبا ومفادها أن الرئيس نيكولا ساركوزي قدم للرئيس الأسد ما يحتاجه من ضمانات في ما يتعلق بالمرحلة المقبلة في لبنان، كما أن وصول العماد سليمان من شأنه الإفساح أمام بناء علاقات أفضل مع الحكم في لبنان، وسوريا ترى بأم العين الوضع الصعب الذي يعيشه أقطاب 14 آذار، ولا سيما النائبان الحريري وجنبلاط.
وبناءً عليه، بدا بري في موقع القائل بأنه لا يمكن أن يكون عرضة لمزيد من الضغوط من الحلفاء، ولا سيما من حزب الله. وهو يقول صراحة إن الحزب ملتزم تفاهماً مع عون، ولكنه هو لم يكن في إطار هذا التفاهم، وبالتالي فإنه يتفهم موقف الحزب المتضامن مع عون، ولكنه غير مضطر للسير به. وهو الكلام الذي ينتهي عند الفكرة ذاتها التي يروّج لها النائب ميشال المر وابنه الوزير إلياس المر، والقائلة إنه يمكن حلفاء حزب الله وعون في المعارضة السير باتفاق لا يكون ضد الآخرين، ولو كان لا يلبّي كل طموحات المعارضة.
إلا أن مشهد تحالف بري ـــــ المر، وربطه بالخطوط المفتوحة مع الثلاثي جنبلاط ـــــ الحريري وسمير جعجع، يذكّر بالفترة السابقة، و«عهد» نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، وهو الذي كان يتولى رعاية هذه الفئة من الطبقة السياسية خلال الحقبة الماضية، ولو أن جعجع كان خارج الصفقة. ولكن السؤال: هل الأمر يحظى بتغطية جدية من سوريا؟
القادمون من دمشق لا يشيرون إلى تبدلات جوهرية في الموقف السوري. إنهم يتحدثون عن متغيرات إقليمية ودولية، وعن حوارات من نوع مختلف وبلغة مختلفة مع الأوروبيين، ويذهب بعض زوار العاصمة السورية إلى الحديث عن معلومات بشأن حوار سوري مع فريق الحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة، لكن هؤلاء الزوار يؤكدون أن خاتمة الكلام السوري لا تزال هي نفسها: كلمة السر عند حزب الله وليست عند الآخرين. على أن هذه المعادلة لا يمكن ترجمتها قبل تبيان صورة السلوك الإجمالي للآخرين، وفي هذه النقطة لا يستطيع الرئيس بري أن يظهر تمايزاً استثنائياً عن سلوك حزب الله أو عن موقف سوريا. ولكن لبري القدرة على المناورة، إذ هو يمتلك هامشاً إضافياً ضمن سلة تفاهمات كبرى، ويشدد على أنه نجح في إقناع الحريري بتوزّع نسبي للحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، وهو غير واثق تماماً مما إذا كان الحريري الابن يريد فعلاً تولّي رئاسة الحكومة المقبلة. ويقول بري إنه قدّم تنازلاً شخصياً بقبوله مبدأ اعتماد القضاء دائرة انتخابية في القانون الانتخابي الجديد، وهو موقف لطالما رفضه وقاومه ومنع تحقيقه في الجنوب ومناطق لبنانية أخرى.
ومع ذلك، فإن صورة «البازل» غير مكتملة، ويصعب القول منذ الآن إن انتخاب سليمان سيحصل أكيداً هذا الأسبوع، كما أن سلّة الاتفاق سوف تظل شرطاً، لأن البديل منها خسارة كبيرة للمعارضة. وهي خسارة في الوقت الضائع.!