strong>غسان سعود
• معارضة مشلولة أمام الاندفاعة السنيوريّة... والمحاسبة مؤجّلة
لم يكتف الرئيس فؤاد السنيورة ووزراؤه بعدم الاستقالة نتيجة الضغوط، بل زادوا في الاجتماع وتبني القرارات، ولم يترددوا في طلب مساعدة المجتمع الدولي حين اضطرتهم الظروف الداخلية. وها هم يندفعون لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، مطمئنين إلى نجاح تجاربهم الماضية سواء في ما يتعلق بالمحكمة الدولية، أو بإصلاحات باريس 3 أو حتى في طلب الدعم الأميركي لتدمير مخيم نهر البارد

لم تنفع استقالة ستة وزراء من حكومة السنيورة الثلاثينية، واغتيال الوزير بيار الجميل، والاعتصام المتواصل في وسط بيروت، والضغوط السياسية والإعلامية المتواصلة، في الحد من اندفاعة الحكومة السنيورية، المدعومة دولياً على نحو استثنائي، لتحويل كل ما تريده الأكثرية النيابية إلى قوانين نافذة. ورغم تكرار المعارضة الإعلان أن قرارات الحكومة غير شرعية، تابع السنيورة منذ مطلع هذا العام عقد الجلسات بمعدل جلسة كل ثمانية أيام، وإصدار القرارات بمعدل هو الأعلى، إذ بلغ ستة في كل جلسة، كما يظهر من كتاب «الإنجازات السنوية» الذي صدر حديثاً عن رئاسة مجلس الوزراء. وتحولت هذه القرارات، التي لم يوقعها رئيس الجمهورية، إلى أمر واقع. ويبدو في سياق الأخذ والرد بين المعارضة والحكومة أن الأخيرة حققت أكثر من انتصار على أكثر من صعيد. وإضافة إلى القرارات الصغيرة المتعلقة بتطوير العمل في الوزارات ومختلف القطاعات، تمكنت الحكومة من فرض المحكمة ذات الطابع الدولي بالصيغة التي تريد، ووقّعت للمجتمع الدولي على الالتزامات الخاصة بباريس 3، ودفعت الجيش إلى مواصلة معركة نهر البارد حتى نهايتها.

أولاً، المحكمة الدولية

في معرض تعداد إنجازاتهم، يجمع الوزراء على أن الأهم كان إقرار المحكمة الدولية. ويقول هؤلاء إن يوم 30/5/2007 كان تاريخياً بكل ما للكلمة من معنى، وقد نجحوا في تعطيل سعي المعارضة لمنع إقرار المحكمة وتخطوا استقالة الوزراء و«موقف الرئيس نبيه بري المعوّق لإقرار نظام المحكمة عبر المؤسسات الدستورية اللبنانية، خلافاً لصلاحياته»، وعمدت الحكومة إلى سلوك طريق آخر أدى إلى إقرار المحكمة عبر مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، الأمر الذي تصفه المعارضة بالإنجاز الوهمي للسلطة، مشيرة إلى إدارة الأكثرية النيابية السيئة لهذا الملف.
ويقول الوزير المستقيل طراد حمادة إن تدويل الحكومة للمحكمة جعل «الحقيقة» رهينة لعبة الأمم ومصالح الدول الكبرى، مشدداً على ضرورة عدم تسجيل إقرار المحكمة كإنجاز حكومي لعدم نجاح السنيورة في تحقيق موقف لبناني جامع يؤيد المحكمة، معرباً عن اعتقاده بأن الأكثرية النيابية سعت منذ البداية لتدويل المحكمة وتحويلها إلى أداة تهويل في يد الولايات المتحدة لتطبيق سياساتها، علماً بأن تناقضاً لغوياً كبيراً يميز النص الحكومي في ما يتعلق بالمحكمة (في كتاب «الإنجازات السنوية» السابق ذكره)، فيقول إن «المحكمة حازت الإجماع الوطني» رغم «احتجاج وزراء ينتمون إلى إحدى الطوائف الأساسية».
وترى الحكومة أن مطالبة المعارضة بحكومة الوحدة الوطنية لم تكن إلا «حجّة لاحتلال وسط العاصمة بما يشكله ذلك من سيطرة على أملاك عامة وخاصة، وتعطيل حركة الاقتصاد والمواطنين في تلك المنطقة، مع التداعيات السلبية لذلك على الأمن في البلاد وعلى الاقتصاد الوطني وعلى رؤية الخارج للبنان».
وتصل الحكومة في تعدادها نتائج الاعتصام الكارثية إلى حد اعتباره السبب الرئيسي للهجرة الكثيفة لخيرة اللبنانيين.

ثانياً، باريس 3

وغير بعيد عن التدويل، تقول الحكومة في كتابها إن العالم كله وقف في 25/1/2007 مع لبنان في «مؤتمر رفيق الحريري» الذي ترأسه ورعاه «صديق لبنان الكبير» وفق وصف الحكومة، الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. ويتابع النص الحكومي مفتخراً بالدعم «غير المسبوق وغير المشروطفيما ترى المعارضة أن المؤتمر ألزم كل لبنان بسياسة السنيورة الاقتصادية المتعارضة مع معظم التوجهات الاقتصادية للأحزاب المعارضة وبعض الموالية. وتشكك المعارضة في اعتبار غالبية الموالاة لمؤتمر باريس 3 إنجازاً، مشيرة إلى أن التعهد بتنفيذ نظريات قديمة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ثبت فشلها في أكثر من مكان لقاء بعض المساعدات، لا يُعَدُّ إنجازاً ويفترض محاكمة المسؤولين عنه.
ويقول حمادة إن اعتبار إعلان الحكومة الحرب على الرعاية الاجتماعية إنجازاً يطرح أكثر من علامة استفهام، مشيراً إلى أن خطة باريس 3 الإصلاحية تحتاج إلى كثير من الإصلاحات، ويفترض بأية حكومة مقبلة أن تعيد النظر في معظم التعهدات السنيورية.
وبدورها، تقول الحكومة إن قوى المعارضة قابلت جهد الموالاة لعقد مؤتمر يدعم لبنان اقتصادياً بمحاولة «الإطباق على العاصمة» عبر الإعلان عن «العصيان المدني المسلح» الذي تمثل بإقفال الطرق. وهو ما تستغربه المعارضة التي شددت في جميع خطاباتها على سلمية احتجاجها وعدم استعمال السلاح. فيما تمضي الحكومة منوهة بدورها في تخطي أحداث الجامعة العربية «التي افتعلتها المعارضة».

ثالثاً، محاربة الإرهاب

أما الإنجاز الحكومي الثالث فكان نجاح حكومة السنيورة في «امتحان مواجهة الإرهاب المصدَّر إلى لبنان»، والمتمثل بمحاولة «فتح الإسلام» السيطرة «على منطقة الشمال ومدينة طرابلس انطلاقاً من مخيم نهر البارد». وتقول الحكومة إن المواجهة بدأت «بالهجوم الغادر من أفراد فتح الإسلام على عناصر الجيش دون سابق إنذار».
فيما تحمّل المعارضة الحكومة مسؤوليّة المواجهة والخسائر التي تكبدها الجيش من منطلق قيام قوى الأمن الداخلي بمحاصرة عناصر تابعين لـ«فتح الإسلام» في طرابلس واقتحام شققهم دون إنذار الجيش الموجود بكثافة في محيط البارد.
ومقابل تأكيد الحكومة على مبادرتها إلى حماية الجيش وتقديم كل الدعم له لحفظ هيبته وتأكيد دوره في حماية الأمن والاستقرار للبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، تحمّل المعارضة السنيورة مسؤولية تجيير المساعدات المفترض تقديمها للجيش إلى القوى الأمنية طوال الشهور الماضية، الأمر الذي أثّر على إمكانات الجيش وقدرته على حسم معركة البارد.
وتتحدث المعارضة عن تلكؤ الحكومة في الاجتماع إثر بدء المواجهات، وتعمدها التباطؤ في إعطاء الجيش الضوء الأخضر العملي للقضاء على مقاتلي «فتح الإسلام»، إضافة إلى عدم تبنيها الجدي لتحقيقات قضائية وعسكرية تبين المسؤوليات عما حصل. ويذهب بعض مسؤولي المعارضة إلى حد اتهام الحكومة باختلاق حرب البارد لتدمير المخيم تمهيداً لتحويله إلى «منتجع حريري آخر»، إضافة إلى تهجير أهل المخيم ودفعهم إلى الاستقرار في مناطق سكنهم الجديدة لتغيير التوازنات الديموغرافية، وهو ما ثبت بعد مرور أشهر بدون أن تتأمن عودة الفلسطينيين إلى المخيم، كما وعد السنيورة.
ويضاف إلى هذه الإنجازات الثلاثة مئات القرارات الجريئة، علماً بأن حكومة السنيورة، رغم الجدل في شأنها، هي الأكثر إنتاجية على صعيد القرارات منذ عام 1989، وقد عمدت إلى إعطاء العلم والخبر لمئات الجمعيات من دون التدقيق في أهدافها أو مصادر تمويلها، ومهدت قانونياً لتسوية أوضاع حزب القوات اللبنانية بما يخدم مصلحة قائد القوات سمير جعجع.
وتم في معظم الوزارات التي هجرها الوزراء الأصيلون وضع برامجهم جانباً والسير بخطة الوزير البديل. وتفاخر الحكومة بنجاحها في «متابعة تنفيذ البيان الوزاري» رغم الصعاب التي اعترضت طريقها في هذا «العام الحاسم في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، لتزاحم الأحداث والتحديات، سواء في الداخل أو في المحيط».
وتقول «حكومة الاستقلال الثاني»، التي «اهتزت بفعل استقالة الوزراء الممثلين لطائفة أساسية لكنها لم تقع»، على ما جاء في كتابها، إنها «كافحت الترهل في الإدارة والمؤسسات العامة، وحثت على زيادة الإنتاج والإنتاجية في الاقتصاد الوطني. «ادعاءات» يراها الوزير المستقيل طراد حمادة «مضحكة»، وخصوصاً أن اللبنانيين يدركون عدم صحتها ومعظمهم ينتظر «أن يصل الدور لغيرهم» حتى يعيد قراءة المرحلة والقرارات التي اتخذت، ويحاكَم مسؤولون استغلوا تفلّتهم من الرقابة ليأخذوا البلد إلى حيث يريدون.
ويتردد طراد كثيراً قبل أن يذكر إنجازات المعارضة خلال السنة الماضية على صعيد منع حكومة السنيورة من الإطباق على السلطة وإمرار كل ما ترغب بإمراره. ويدعو إلى التمييز بين تأمين استمرارية الحياة العامة والعمل الحكومي المرتبط بالتوجهات العامة للدولة، منوهاً بنجاح المعارضة في إيقاف اندفاعة الحكومة صوب الخصخصة، وتأجيل تقديم العروض للمزايدة العالمية لتشغيل شبكتي الخلوي، ومنع الحكومة من وضع قوات تتبع للأمم المتحدة على الحدود اللبنانية ـــــ السورية، إضافة إلى التصدي لتحويل لبنان قاعدة ارتكاز للمشروع الأميركي في المنطقة.



قرارات سياحيّة

في معرض تعداد الحكومة لإنجازاتها، تتحدث في كتابها «الإنجازات السنوية» عن سعيها «إلى إطلاق العمل الجدي من أجل تثبيت الاستقلال والتأكيد على العلاقات الخارجية القائمة على الاحترام المتبادل مع جميع الدول الشقيقة والصديقة، وعلى وجه الخصوص مع الشقيقة سوريا». وتدّعي الحكومة «طرح مسألة معالجة موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، ولا ينسى كتّاب السنيورة الافتخار «بإقدار الحكومة للمؤسسات الأمنية على «تعزيز الأمن في البلاد وعلى مواجهة الإرهاب ومثيري القلاقل والفتن».
وتتخطى إنجازات بعض الوزارات التوقعات، فتتحدث وزارة السياحة مثلاً عن إعداد فيلمين ترويجيين عن لبنان وتفعيل العلاقات الخارجية واتفاقات التبادل السياحي التي اقتصرت على اتفاق واحد وقّع مع الهيئة العليا للسياحة في السعودية. بدورها تسهب وزارة الثقافة في تعداد إنجازات ـــــ نشاطات اقتصر دورها فيها على مشاركة الوزير في حفل الافتتاح. وبين السياحة والثقافة، يغيب عن قائمة الإنجازات ذكر مشروع إنتاجي زراعي أو صناعي واحد.