مهى زراقط
للمرة الثالثة على التوالي تتوقف القنينة بينهما، متيحة له هو طرح السؤال عليها...
يحسّن أيمن جلسته، ولا ينجح في إخفاء ابتسامة ماكرة، قبل أن يكمل سلسلة الأسئلة الخاصة التي بدأها:
ـــــ حقيقة: هل تفضلين الزواج أم الحب؟
قبل ذلك كان قد سألها: «هل أنت مرتبطة؟»، ثم «كم مرّة أحببتِ؟». ومع كلّ سؤال يطرحه كانت ابتسامته تتسّع وهو يجدها أخيراً مجبرة على الحديث معه في أمورها الخاصة، ولو بين مجموعة من الأصدقاء.
«في تلك الليلة كنت أكثر الناس سعادة لأن الطقس كان ماطراً في الخارج، ووافق الشباب على اقتراحي أن نلعب لعبة القنينة في البيت». سبب السعادة معروف، وكان ينتظر أن يشعر بها مضاعفة عندما يأتي دور لمياء لتطرح عليه السؤال. «قلت لنفسي، إذا سألَتني سؤالاً خاصاً فهذا يعني أنها بدورها ترسل لي إشارة»...
لكن الحظ خالف لمياء، أو أيمن، فقد بقيت فوهة القنينة بعيدة عنها، ولم تعطها فرصة طرح السؤال عليه... فما كان منه إلا أن سألها في مرة خامسة، أو سادسة: «ما هو السؤال الذي تحبين أن تطرحيه عليّ لو جاء دورك؟».
وجاءت الإجابة «القاضية»: ما هو برجك؟
«عندما نطقت هذه الجملة شعرت بأن هناك من سكب مياهاً باردة عليّ... لا يكفي أنها لم تسألني شيئاً من الأسئلة التي كنت أتمنى أن تطرحها عليّ، بل سألتني أكثر الأسئلة تفاهة... ما هو برجي؟».
■ ■ ■

«كنت متأكدة من أنه ينتمي إلى أحد الأبراج المائية... سرطان أو عقرب أو حوت... اقتراحه أن نلعب لعبة القنينة ليلة رأس السنة، ثم أسئلته المباشرة من دون خجل، أشعرتني بأني أمام رجل رومنسي، فأحببت أن أتأكد من ذلك عبر برجه». تقول لمياء، وتضحك طويلاً قبل أن تكمل سرد ما حصل تلك الليلة:
«أجابني: لا أعرف ما هو برجي، ثم أكمل: أنا أصلاً لا أؤمن بالأبراج ولا أنظر نظرة إيجابية إلى من يطرحون السؤال الذي طرحته».
بعد هذه الإجابة، غيّرت لمياء رأيها، «قلت له، لأغيظه ربما، كنت أعتقد بأنك عقرب، لكني متأكدة الآن من أنك دلو... قل لي متى وُلِدت؟ وإذا حدّدت لي الساعة يكون أفضل».
«سطل يعني؟ ترينه سطلاً؟»، علّق أحد الجالسين ساخراً، ليتوقف الجميع عن اللعب ويبدأوا حديثاً مسليّاً عن الأبراج لم يشارك فيه أيمن. «لم يتدخل إلا ليطلق تعليقات ساخرة كلما سنحت له الفرصة. هذا هو الدلو أصلاً»، تقول لمياء.
■ ■ ■

حاول أيمن أن يعيد المجموعة إلى لعبة القنينة، «لكن الصبايا سيطرن على الوضع، وبدأنَ إبراز معلوماتهن الواسعة عن الأبراج، وقدّمن الأمثلة والأدلةّ على كلّ ما يروينه»...
الأدلة ضرورية، لأنه من دونها، لن يكون في وسع أيمن، مهندس الكومبيوتر، أن يقتنع مثلاً بأن المرأة الأسد لا يمكنها أن تتفق مع الرجل الثور. «مثلاً، قالت مريم إنها تعرّفت ثلاث مرات إلى رجل ينتمي إلى برج الثور، وفي كلّ مرة كانت تهرب منه لقساوته وعدم قدرته على التعبير عن مشاعره»... وعندما سألتها: «لماذا لا تتعرّفين إلّا إلى رجال من هذا البرج؟»، أجابتني: سؤالك يثبت صحة كلامي، أنا لا أسأل سلفاً عن البرج، لكنها الصدفة التي تجعل كلّ الرجال الذين أعجب بهم من برج الثور... على فكرة، هو برج أبي أيضاً، لا أعرف إذا كان لهذا الأمر علاقة... علينا أن نسأل فرويد ربما..».
«لا، لا تعذّبي نفسك كثيراً بفلسفته الصعبة، اتصلي بماغي فرح أو كارمن شمّاس وهما تجيبانك».
■ ■ ■

لكن الأمر ليس بهذه البساطة: «إنه علم. ماغي وكارمن تحاولان تطبيقه، قد تنجحان وقد تخطئان. هذه حسابات تحتاج إلى الدقة. الأفضل أن نجريها بأنفسنا لنعرف ما سيحصل معنا».
لم تكد لمياء «ترمي» هذه الجملة، حتى شنّ كلّ الشباب هجوماً عليها. «وللإنصاف، شاركتهم فتاة واحدة هي ريما... لكني أفهمها، هي من برج الجوزاء وتحتاج إلى الاختلاف لكي تشعر بشخصيتها»... لمياء «رمت» أيضاً جملتها الأخيرة عن ريما، مما ضاعف حجم الهجوم عليها.
«منهم من حاول مناقشتي بردّي إلى الدين وأن الغيب لا يعلمه إلا الله، ومنهم من حاول مناقشتي علمياً. أما أنا، فكنت كلما قال أحدهم شيئاً أجيبه بطريقة استفزازية، فأكتفي بالقول: لا يمكنني أن أقتنع معك لأن سلوكك يعزّز موقفي، ردة الفعل هذه لا يقوم بها إلا من يحمل برجك...».
تعترف لمياء بأنها تفتقر إلى الحجج التي تقنع بها الآخرين بصحة ما تقوله الأبراج، لكنها تصدّقها: «على الأقل أصدق أن لكلّ برج شخصية عامة، وكنت متأكدة من أن أيمن ينتمي إلى برج الدلو، لأنه مصرّ على الاعتراض»... إضافة إلى ذلك «كنت أريد أن أصدّق أن أيمن ينتمي إلى برج الدلو، لأن توقعات برجي لذاك العام كانت تنبئني بأني سأعيش علاقة حب مع هذا البرج، رغم أنه خالف برجه فلم يخض معنا في النقاش ليقنعنا بل خرج إلى الحديقة».
■ ■ ■

في الحديقة، حيث كان المطر لا يزال يتساقط، وإن خفيفاً، راح أيمن يطرح على نفسه أسئلة لم يكن يعتقد يوماً بأنها ستشغل تفكيره:
«عقرب، سرطان، حوت، دلو... كيف صادف أني لا أنتمي إلى أيّ من هذه الأبراج؟ ترى ما هي شخصية المنتمين إليها؟ قالت لمياء إن الأبراج المائية رومنسية، وكانت هذه إشارة جيدة منها. لماذا غيّرت وقالت إني من برج الدلو؟ ماذا كانت تقصد بقولها؟».
عندما لحقت به ريما تدعوه إلى الدخول، بادرها بالسؤال: «ماذا تعرفين عن برج الدلو؟».
لكن السؤال لم يوجّه إلى الشخص المناسب: «ما بك؟ هل بدأت تصدّق هذه التفاهات؟».
«لا، لا أصدقها لكني أريد أن أعرف قصد لمياء حين قالت إني دلو، هل هو برج سيِّئ؟».
«أنا أيضاً لا أعرف...» قالت، ثم أضافت: «لكنك لست من برج الدلو، أليس كذلك؟».
«لا، لست دلواً. أنا ميزان، ولا تسأليني كيف عرفته، منذ تعلمت اسمي وعمري، تعلمت أني من برج الميزان وهو برج ماغي فرح وسليمان فرنجية أيضاً...» قال مستدركاً: «هذا ما قالته ماغي فرح مرّة في واحدة من مقابلاتها التلفزيونية».
■ ■ ■

لم يكن يمكن ريما أن تحمل خبراً أسوأ من الذي حملته إلى لمياء. «أيمن من برج الميزان»، قالت للساهرين وهما يدخلان معاً إلى الغرفة.
«غير معقول، كلّه إلا الميزان. رجل هذا البرج لا يتفق مع المرأة العذراء»... قلت لنفسي: «وللمرة الأولى بدأت أقنع نفسي بأن الأبراج قد لا تكون صحيحة، وكان عليّ أن أكتشف صفات أيمن الحقيقية التي قد يتوافق فيها معي».
أما أيمن، الذي جلس هادئاً وسط المجموعة، فبدا أكثر إصغاء هذه المرة، وخصوصاً أن الحديث لم يعد يقتصر على التسلية بل صار أكثر «جدية»، ويتطلب العودة إلى المراجع اللازمة لتوضيح شخصيات الأبراج وإعادة النظر في توقعات الفلكيين للعام المقبل...
«أنا برجي ميزان... فتشي لي عن حياتي العاطفية للسنة المقبلة. هل كُتب فيها أنها ستفشل في اليوم الأوّل منها؟»، سأل أيمن، ثم خطف كتاباً تنجيمياً من يد لمياء وراح يقرأ بصوت مرتفع: «المرأة العذراء باردة، قليلة التعبير عن مشاعرها وكثيرة الانتقاد والتحليل وترى نفسها أذكى من الرجل الميزان».