strong> نادر فوز
أجبرت الأحداث الأخيرة أبو كامل على الانتقال من منطقة الطريق الجديدة إلى منطقة برج أبي حيدر، وذلك تفادياً للاستفزازات التي يشنّها يومياً عدد من شبان المنطقة. وكان أبو كامل قد طلب من ابنه أحمد مغادرة المنطقة نهار الخميس المنصرم، يوم الإشكال الأكبر عند جامعة بيروت العربية. إلا أنه ما لبث أن انتقل هو أيضاً وزوجته إلى منزل أهلها في «أبو حيدر» يوم الأحد الماضي. فأنهى بلحظات قليلة ذكريات اثنين وعشرين عاماً من السكن والصحبة عند البوابة الشرقية للمدينة الرياضية.
ولد أبو كامل في منطقة البسطة في أجواء من «التعايش السني ـــ الشيعي». نقل نفوسه من قرية تبنين الجنوبية إلى الباشورة، وجمعته علاقة طيّبة بمعظم سكان حيّه في الطريق الجديدة.
لكن، نهار الخميس الماضي، بدأت الاستفزازات حين تجمّع شبّان مقابل منزل أبو كامل، ومنهم من أبناء الحي وآخرون من خارجه. بدأ إطلاق الشتائم وبعض الطلقات النارية وتكسير الزجاج. ولم تكن هذه الأعمال موجّهة ضدّه مباشرةً، إنما ضدّ الطائفة التي ينتمي إليها. تهمته الوحيدة أنه شيعيّ، فيما «اعتزل» هو العمل السياسي والحزبي مع انتهاء «حرب المحاور» التي كان فيها من أنصار حزب البعث العراقي. ويذكر أبو كامل كيف سجنته قيادة «الحزب» لرفضه آنذاك مقاتلة أولاد منطقته من الأحزاب الأخرى.
لم يستطع أبو كامل الوصول إلى منزله يوم «إشكال الجامعة العربية»، إذ كانت كل الطرقات مقفلة. وبقيت زوجته وحدها في المنطقة بعد أن أمر ابنه الأصغر أحمد بالتوجه إلى منزل أحد الأقارب في «برج أبو حيدر». عاد في اليوم التالي وعاش ثلاثة أيام وسط «حفلات يومية» وتهديدات صريحة، فقرّر مغادرة المكان تاركاً في منزله كل شيء.
لم تأتِ هذه الممارسات من جانب أنصار تيار المستقبل، بل من «شلّة من الناصريين الأحرار» الذين يصفهم بـ«جماعة حبوب وبودرة ومخدرات ورفع السلاح علناً، وخرّيجي السجون».
لم يفكر في الاتصال بقوى الأمن الداخلي الذين يرى أنّهم «محسوبون على طرف سياسي معيّن». ولم يجدِ نفعاً اتصاله بأحد ضباط الجيش الذي أبلغه أنّ «الأمر خارج عن السيطرة، ولا شي طالع في يدنا». فعلاقات تلك الشلّة بأجهزة المخابرات وبعض المسؤولين عن أمن بيروت لا تسمح بالمسّ بهم.
يتوقف أبو كامل عن الكلام، فيشعل سيجارة وينكب على التحدث عن تلك «البوطة» التي بدأت تنشط منذ أشهر عبر تلصيق صور عبد الناصر باسم الحركة، وصولاً إلى التسلّح بعد التطورات الأمنية الأخيرة. وتضم هذه «الشلة» أساساً، بحسب أبو كامل، أربعة شبان من الحيّ، وشاباً من منطقة مجاورة، وآخر من منطقة الناعمة. كما يجمع هؤلاء حولهم عدداً من الشبان من منطقة «النَوَر» المجاورة للمدينة الرياضية.
يعتقد أبو كامل أنّ ما حصل مع اثنين من «الشبان السنّة» اللذين أصيبا في الاشتباكات، لم يكن سوى عملية «تصفية حسابات شخصية قديمة في الحي، أو حسابات سياسية بين الناصريين الأحرار وتيار المستقبل».
يبدي أبو كامل أسفه لسلوك شابّين من «الشلّة» كانا «ينامان ويأكلان في منزلي ويلبسان ثياب أبنائي»، ويقفان اليوم في الصفوف الخلفية للـ«زعران» كي لا يلقَ اللوم عليهما: «لقد أنستهما مسألة المذهب الودّ والعشرة والصحبة... حتّى إنّ ابني أحمد بات يقول إنّه لن يعيش بعد اليوم في مناطق سنيّة».
يرى أبو كامل أنه «تهجّر» من الطريق الجديدة لأنه من «الأقلية» في تلك المنطقة، وغير قادر على الدفاع عن نفسه، وخصوصاً أنّه يرفض حمل السلاح في وجه أبناء منطقته. يصمت قليلاً ثمّ يقول: «لو كنّا أكثر، كنت بقيت».
لا يعتقد أنه سيعود قريباً إلى منزله، «فالأفق السياسي غير واضح وموجة العنف الجديدة ستكون أشدّ»، وما الهدنة التي تطرحها الأطراف إلا «تأجيل للانفجار»، حسب رأيه.
بدأ أبو كامل البحث عن مسكن في منطقة البسطة، حيث مكان ولادته، تاركاً وراءه أكثر من عشرين عاماً من الخبز والملح الضائعين على عتبة حروب قذرة.