جان عزيز
هل تنجح خطوة ميشال عون وسليمان فرنجية في إعادةإحياء «ثوابت الكنيسة المارونية» التي أعلنها الصرح في 6 كانون الأول الماضي، وفي إعادة الدور المرجعي والمحوري لبكركي، من أجل رسم الضوابط المطلوبة للوضع المسيحي المأزوم، وبالتالي المساهمة في الخروج من المأزق الوطني؟
أوساط عون أكدت أولاً أن الخطوة التي أقدم عليها الجنرال وفرنجية، لجهة توقيع «ميثاق الشرف» منفردين، جاءت بالتنسيق مع بكركي، وتمت بعد إبلاغ اللجنة الأسقفية الثلاثية المولجة بالموضوع، نية الطرفين توقيع الميثاق والتزام مضمونه كاملاً وبدقة، ولو من طرف واحد.
وجاء جواب المطارنة متفهّماً مقدّراً ومشجّعاً. علماً أن الأوساط نفسها تكشف أن هذه الخطوة جاءت نتيجة عوامل عدة، أبرزها الآتي:
1 ـــ حراجة الأوضاع السائدة في الوسط المسيحي، وخصوصاً بعد أحداث يومي 23 كانون الثاني الماضي و26 منه، مع ما حملته تلك التطورات العنفية والدامية من مخاطر ومحاذير وذاكرة استرجاعية بشعة. علماً أن هذه الأحداث لم تنته فعلياً، كما تؤكد الأوساط نفسها، بدليل استمرار تعرّض عدد من ناشطي المعارضة لاعتداءات عنيفة، كان آخرها محاولة اغتيال أحد المواطنين من أبناء بلدة الحدث ـــ بعبدا، بضربه من الخلف على رأسه بآلة حادة في منطقة الحازمية في وضح نهار يوم أمس، من دون أن تؤدي إجراءات السلطات الأمنية المختصة إلى كشف الفاعلين. مع الإشارة إلى أن المعارض المعتدى عليه، كان من المشاركين في اعتصام المعارضة يوم 23 الماضي عند مستديرة الصياد. وتكشف أوساط المعارضين أن مثل هذه الحوادث تتكرّر في شكل شبه يومي، وإن كانت القوى المعارضة لا تعمل على إثارتها إعلامياً، حرصاً على التهدئة وفتح المجال للمعالجات اللازمة. غير أن مثل هذه التصرفات مثّلت حافزاً أول للمبادرة إلى توقيع ميثاق الشرف الذي يهدف في شكل أولوي إلى رفض العنف أداة تعاطٍ بين المواطنين.
2 ـــ الكلام الإعلامي الغامض والملتبس لبعض القوى عن المواقف المسيحية المختلفة من المبادرة التي طرحتها بكركي. ذلك أن الصورة الإعلامية التي تكوّنت لدى الرأي العام، هي أن هناك من وافق على الميثاق، وهناك من تريّث، وهناك من اقترح التعديلات على مضمونه. غير أن إعلام السلطة عمد إلى التشويش على هذه الصورة، وإلى منع تظهير هويات أصحابها في شكل واضح، بحيث يكون المعنيون والمواطنون على بيّنة كاملة، لجهة من وافق ومن تريّث ومن طالب بالتعديل. ولذلك أقدم عون وفرنجية على حسم الأمر من جهتهما، لوضع الأمور في نصابها ولإظهار الحقائق أمام الجميع.
3 ـــ أما السبب الثالث فهو مرور نحو شهرين على مبادرة «الثوابت»، من دون أن تكون لها أي ترجمة عملية فعلية، لا بل مع محاولة بعض القوى السياسية التلاعب على بكركي وعلى الناس، عبر إعلان التأييد اللفظي والكلامي لمضمونها، والعمل فعلياً وعملياً على رفضها وعرقلتها. لذلك رأى عون وفرنجية أن توقيعهما «ميثاق الشرف»، إذ يؤكد التزامهما العمل السياسي السلمي الديموقراطي واللاعنفي، يعيد إحياء وثيقة «الثوابت»، وخصوصاً لجهة التأكيد على تلاحم موقفهما مع موقف بكركي، في المطالبة باحترام الجدول الزمني لنداء 6 كانون الأول، والتزام سلّم الأولويات التي وضعتها بكركي: المحكمة الدولية أولاً، ثم حكومة وحدة وطنية ثانياً، تليها انتخابات نيابية مبكرة على أساس قانون انتخابي مغاير لقانون غازي كنعان، وأخيراً تقديم موعد الانتخابات الرئاسية.
هذه الأسباب مجتمعةً، كانت حاضرة أمس عند زيارة النائب إبراهيم كنعان موفداً من عون إلى الصرح، لتسليم الميثاق الموقّع إلى صاحب الغبطة. وكانت الأجواء ممتازة لجهة ترحيب بكركي بالخطوة وتثمينها من جهة، كما لجهة الأسف لعدم اكتمال عقد تواقيع الوثيقة. وعلم أن كنعان نقل إلى سيد الصرح تأكيد عون أن توقيعه وفرنجية لم يلغ إطلاقاً استعدادهما للتلاقي في بكركي مع الأطراف الآخرين المفترضين معنيين بالميثاق. إذ حمل كنعان إلى صاحب الغبطة التجاوب الكامل والدائم لعقد أي اجتماع في الصرح، في التوقيت والشكل اللذين يراهما سيده مناسبين.
هذه الرغبة، كما تؤكد أوساط عون نفسه، ليست من قبيل التسويق الإعلامي، ولا من باب الإحراج الكلامي للأطراف الآخرين. بدليل أن عون بذل طيلة الأيام الماضية جهوداً حثيثة، عبر وسطاء وقنوات اتصال بينيّة، مع القوى المسيحية الأخرى، من أجل عقد اجتماع رباعي في بكركي، لتوقيع الميثاق جماعياً. غير أن جواباً أول جاءه بالاستعداد للقاء، لكن من دون توقيع الميثاق، فيما ظل الجواب الثاني على تمسكه بطلب المهلة للتريث والبحث في المسألة.
وإذ تكشف أوساط عون هذه المساعي المبذولة من طرف واحد للقاء، توضح أن ما فهم من الردود والأجوبة، كما من اللقاءات التي شهدتها بكركي في الأيام الماضية، تشير إلى تعنّت أحد الأطراف المسيحيين عند مسألتين اثنتين: تعديل أولويات «ثوابت الكنيسة المارونية» لجهة رفض الحكومة والانتخابات النيابية، واقتراح ضم مطلب إنهاء اعتصام المعارضة في وسط بيروت إلى «أجندة» بكركي المعلنة في 6 كانون الأول الماضي. وهما مطلبان خارجان عن إطار «الثوابت» و«الميثاق» معاً، ما أدى إلى إجهاض المسعى اللقائي المبذول.
لكن السؤال: إلامَ تستند مواقف الطرف المعرقل وحساباته؟ وهل هي مسيحية الطابع والمصلحة، أم خارجية؟