نقولا ناصيف
تتعارض المعلومات التي تصل إلى كل من قوى 14 آذار والمعارضة حيال النتائج التي بلغتها الاتصالات السعودية ــــــ الإيرانية حيال الوضع في لبنان. ونظراً إلى العلاقات المتشعبة التي تربط طرفي النزاع بكل من الرياض وطهران، إلى حدّ يحمل كل منهما على تأكيد تحالفه مع هذه الدولة الإقليمية أو تلك، فإن المعلومات والاجتهادات التي تتجمع لديهما عن مسار اتصالات البلدين تتوخى أحياناً تعزيز وجهة النظر التي تمثلها الغالبية والمعارضة. والواضح في خلاصة هذه الاتصالات لدى الفريقين اللبنانيين أن الإخفاق لا يزال يحيط بإمكان توصّل الرياض وطهران في المدى المنظور على الأقل إلى تسوية متوازنة تراعي مصالحهما ومصالح الغالبية والمعارضة في الوقت نفسه.
واستناداً إلى معلومات مصدر وزاري واسع الاطلاع، أفضت نتائج الاتصالات السعودية ــــــ الإيرانية حتى الآن إلى الآتي:
1 ــــــ تأكيد الرياض إصرارها على إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإعادة الاستقرار إلى لبنان بوأد أي خطة مفتعلة من أي جهة أتت لفتنة سنية ـــــــ شيعية. وقد استمعت إلى موقف مماثل من طهران يعبّر عن خشية جدية من هذا الأمر.
2 ــــــ لا تمانع الرياض أن يكون لطهران لكونها دولة إسلامية دور إقليمي كبير على غرار الدور الإقليمي الكبير الذي تتمتع به دول إسلامية في المنطقة كالسعودية ومصر وباكستان وتركيا. إلا أن ذلك يقتضي أن يقترن باضطلاعها بدور إيجابي في تأمين استقرار المنطقة. وعلى أهمية معرفة الرياض بالتأثير الإيراني في العراق واستعداد المملكة للتعاون معها كشريك فاعل لتحقيق الاستقرار في هذا البلد المضطرب، تبدو معنية بالحصول على إشارات جادة من طهران تتصل بإعادة الاستقرار إلى لبنان أولاً، من خلال حل يعيد الصراع السياسي إلى المؤسسات الدستورية ويوقف تشنج الشارع وفوضاه.
3 ــــــ ترى الرياض أن تفاوضها مع إيران على تحقيق الاستقرار في لبنان يرمي إلى إبعاد سوريا عن الدخول طرفاً في هذا التفاوض. وأتى الموقف السعودي هذا رداً على ما رغبت طهران في إبرازه، وهو بعث الحياة إلى الحوار السعودي ـــــــ السوري، الأمر الذي رفضته الرياض، إذ ترى في التفاوض مع الجمهورية الإسلامية بديلاً من الحوار المقطوع مع دمشق. وتالياً ينبغي لإيران التي تريد أن تقدم نفسها على أنها دولة إسلامية إقليمية كبرى أن تمارس ضغوطها على سوريا لوقف تدخلها في لبنان.
في موازاة الموقف السعودي هذا، يلاحظ المصدر الوزاري الواسع الاطلاع أن الرياض لم تحصل من طهران على الأجوبة الشافية التي طلبتها بغية إمرار التسوية المتكافئة، طبقاً لوقائع:
أولها، أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر لاريجاني الذي التقى في طريق عودته من دمشق، الاثنين 22 كانون الثاني، رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان في مطار الرياض، أبلغ إليه موقف دمشق القائل بتأليف المحكمة الدولية بعد إنجاز التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية، وأن موافقتها وحلفاءها على حكومة وحدة وطنية تشترط إخضاع تسوية الحكومة الجديدة لمعادلة 19 وزيراً للغالبية في مقابل 11 وزيراً للمعارضة، أي إعطاء هذه الأخيرة النصف زائداً واحداً فيها. وبحسب ما لمسه المسؤول السعودي، ترغب دمشق في أن تكون عقبة في طريق حل يفضي إلى إعادة الاستقرار إلى لبنان إن لم تجلس هي إلى الطاولة.
ثانيها، أن بندر بن سلطان الذي زار طهران الأربعاء 24 كانون الثاني الفائت لم يحصل من لاريجاني على جواب عن موقف حكومته من إقرار المحكمة الدولية وتسوية حكومة وحدة وطنية وفق الصيغة التي اقترحها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. واستمهلته طهران حتى السبت 27 كانون الثاني، ما اضطره لمغادرة العاصمة الإيرانية الجمعة 26 كانون الثاني. وبدا أن عدم تزويده بالجواب المطلوب حتى الاثنين 29 كانون الثاني كان يرتبط بالموقف المتريث لدمشق. في تلك الأثناء كانت قد تفاعلت أحداث الثلاثاء والخميس 23 و25 كانون الثاني وهدّدت الوضع اللبناني بحرب شوارع سنية ــــــ شيعية مدمرة لا يعود في وسع أحد السيطرة عليها.
ثالثها، بحسب المصدر الوزاري الواسع الاطلاع، زار وفد من حزب الله دمشق نهاية ذلك الأسبوع، مناقشاً ومسؤولين سوريين في نتائج إضراب الثلاثاء واشتباكات الخميس، مبدياً في الوقت نفسه خشيته من تصاعد وتيرة التشنج المذهبي الذي يهدد بانفجار نزاع سني ـــــــ شيعي خطير. لكن موقف المسؤولين السوريين لم يأخذ في الاعتبار تحذير وفد الحزب، وبدوا أنهم يتوقعون تطورات مهمة خلال شهر. ولاحظوا أمام الوفد أن على المعارضة «الصمود أياً يكن الثمن» في خياراتها في مواجهة الحكومة اللبنانية وفريق 14 آذار في انتظار إمرار أربعة استحقاقات متلاحقة ما بين نهاية شباط ونهاية آذار: مناقشة مجلس الأمن العقوبات على إيران، تقرير المحقق الدولي في اغتيال الحريري سيرج برامرتس، التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة في ما يتصل بالقرار 1701، القمة العربية في الرياض. وتبعاً للمعلومات المتوافرة في الأيام الأخيرة عن موقف دمشق، فإن هذه تجزم بأنها لن تؤيد المحكمة الدولية، وستستمر في حملتها الدبلوماسية ضدها في الخارج، فضلاً عن تأثيرها داخل لبنان للحؤول دون إبصارها النور مقدار ما استطاعت. ويرتبط ذلك بموقفها من حكومة الوحدة الوطنية، إذ ترى دمشق أن معادلة حكومية تقوم على 19 + 11، خلافاً لما يقول به الأمين العام للجامعة العربية، تشكل ضماناً أكيداً لها وموثوقاً به لتفادي إقرار محكمة ذات طابع دولي تراها تهديداً سياسياً مباشراً لها.
رابعها، أن الحماسة التي أبداها موسى في معاودة وساطته بين طرفي النزاع لم تكن إلا بنت ساعة المناخات الإيجابية التي أشاعها أكثر من مسؤول لبناني في اليومين التاليين للخميس الأسود، تجنباً لمزيد من التشنج المذهبي، وخصوصاً بعدما طبعتها آمال تسارع الاتصالات السعودية ـــــــ الإيرانية قبل أن تراوح هذه مكانها. لكن هذه الحماسة سرعان ما فترت بعدما تأكد لطرفي النزاع الداخلي أن لا أحد منهما، لأسباب محلية واقليمية، في وارد تقديم تنازل أساسي للآخر، ولا تبادل التنازل كذلك، لإقرار التسوية المتكافئة في حمأة التجاذب السعودي ـــــ الإيراني، والسعودي ـــــــ السوري.
يبعث ذلك كله المصدر الوزاري الواسع الاطلاع على الخشية من أن يكون انفجار الصراع، في ضوء هذا المأزق المطبق، «مسألة وقت، لا أكثر ولا أقل».