طارق ترشيشي
لا يمكن إدراج التفجير المزدوج في بلدة عين علق في المتن الشمالي إلا في أحد اطارين: الاول اغتيال، أو محاولة اغتيال، مشروع حل بدأ بالتبلور، والثاني استئناف القوى المتضررة من هذا الحل لمشروع الحرب ــ الفتنة في لبنان. وستكشف الايام المقبلة الاهداف الكامنة من خلال ما سيؤول اليه مصير مشروع الحل المطروح.
في انتظار ذلك فإن شظايا التفجيرين تصيب ثلاثة اطراف مجتمعة، وتوجه اصابع الاتهام الى ثلاثة اطراف مختلفة، لكنها في دائرة واحدة، وهي انطوت على ثلاث رسائل:
الاولى، ان الحافلتين اللتين دُسَّت المتفجرات فيهما انطلقتا من بتغرين وأن غالبية ركابهما من هذه البلدة، وكأن المقصود منها توجيه رسالة الى نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الياس المر بعد الحملة الفلسطينية عليه نتيجة اتهامه فلسطينيين بالمشاركة في احداث «الخميس الاسود» الاخيرة في محلة الطريق الجديدة.
والثانية، تصوير الانفجارين كأنهما يستهدفان «عرين» الرئيس امين الجميل رداً على ما قاله ضد «حزب الله» وسوريا قبل ايام خلال زيارته للولايات المتحدة.
والثالثة موجهة عشية الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري الى المعارضة مجتمعة وتصويرها بأنها «تُعرقِل» التحضيرات لإحياء هذه الذكرى عند الضريح لا في ساحة الشهداء.
لكن الاطراف الثلاثة المتهمة بالوقوف وراء هذه التفجيرات تجمعها خلفية واحدة هي الوصول الى اتهام سوريا مجدداً، خصوصاً بعد زيارة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لدمشق التي أزعجت هذه الاطراف لأنها أعادت لسوريا حضورها اللبناني، أو على الاقل، تم من خلالها الاعتراف عربياً من جديد بالدور السوري في لبنان والمنطقة.
وما يلفت الانتباه في هذا المجال أن التفجير الجديد جاء استكمالاً للتفجير السياسي الذي أقدم عليه السفير الاميركي جيفري فيلتمان أول من امس إثر زيارته رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، خارقاً «جدار الصوت» في أجواء التهدئة السياسية، ومحرضاً مجدداً على «حزب الله» وسوريا وايران خلافاً لما كانت جميع الاطراف تسعى اليه، وهو تمرير ذكرى 14 شباط بهدوء. وقد استُتبِعَ هذا الكلام التحريضي بالبيان التصعيدي لقوى 14 آذار الذي أذاعه النائب الحريري إثر اجتماعها في قريطم ودعا فيه الى مشاركة جماهيرية كثيفة في ذكرى والده، اذ افتُتِحَ البيان واختُتِم بالهجوم على سورية وحلفائها في لبنان، وهو مما ساعد ايضاً على توتير الجو السياسي.
غير أن بعض الأوساط السياسية لاحظ أمس وجود «إدارة عمليات أمنية» تعتمد التفجير والشائعات، اذ انه بعد حصول الانفجارين تضاربت المعلومات عن عدد القتلى ووصلت المبالغة الى حد الإعلان عن سقوط 12 قتيلاً وعشرات الجرحى بقصد تعبئة الرأي العام، ثم تراجع العدد الى ثلاثة، فيما سارع بعض وسائل الاعلام الى بث «خبر عاجل» يفيد بأن المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء «اعتدوا» على موكب مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني و«أحرقوا» سيارته ووجهوا اليه «كلاماً نابياً» لدى موافاته بقية القادة الروحيين الى ضريح الرئيس الحريري لتلاوة الفاتحة، بغية رفع منسوب التعبئة العامة للجمهور، وكأن المطلوب مما حصل تهديم كل ما بُنيَ من تفاؤل، او على الاقل تأخير الحل في لبنان بعدما تسربت معلومات عن نضوج طبخة ما مترافقة مع الحل الفلسطيني المستند الى «اتفاق مكة».
وترى هذه الاوساط أن أحداث أمس تثير مخاوف من عرقلة أميركية ــ إسرائيلية لاتفاق مكة الفلسطيني، وعرقلة اي اتفاق لبناني وتأخير الحل الى ما بعد جلاء صورة الوضع في العراق بعد تنفيذ خطة بغداد الامنية التي ستبدأ بعد يومين، فإذا نجح الاميركيون في السيطرة على الوضع في عاصمة بلاد الرافدين فإنهم سيتحررون من دفع الاثمان في فلسطين ولبنان وسوريا وايران. أما إذا فشلوا فيكونون قد بدأوا بالحل عبر «شيك مؤجل» اسمه اتفاق مكة بالنسبة الى فلسطين، والتفاهم السعودي ــ الايراني بالنسبة الى لبنان. وهذا ما يبعث على الخوف من أن الايام المقبلة قد لا تنعم بالهدوء، بحسب ما يتوقع البعض، بل قد تشهد قلاقل امنية لإبقاء الساحة متوترة في انتظار الحل المنشود.
هل يصمد اللبنانيون الحريصون على وحدة لبنان، ولا ينزلقون الى الحرب الاهلية المطلوبة اميركياً وإسرائيلياً؟ أم ينجح المشروع الاميركي في استدراج الجميع الى حرب شبيهة بما يجري في العراق بعدما تم «تأهيل» الساحة الفلسطينية للفتنة الداخلية؟
البعض يقول إن المسؤولية الكبرى تقع على المعارضة وعمودها الفقري المقاومة، والمطلوب منها أن تتحمل فوق ما تتحمل لإبقاء لبنان بعيداً عن التقسيم والضياع.