نقولا ناصيف
الانطباعات الأولى عن نتائج زيارة الرئيس سليم الحص للرياض الأحد الفائت واجتماعه بالملك عبدالله، أبرزت لمن اطلع عليها بضع إيجابيات برسم مزيد من الجهود:
ــــــ أولاها أن الطريق بين الرياض ودمشق ليست مقفلة تماماً، إلا أنها تحتاج إلى معالجة متأنية لتذليل الخلافات الثنائية الناشبة منذ أشهر.
ــــــ ثانيتها أن المملكة قلقة من استمرار العراقيل التي تضعها واشنطن للحؤول دون نجاح المصالحة الفلسطينية ـــــــ الفلسطينية عبر اتفاق مكة الذي رعته الرياض توصلاً إلى تأليف حكومة وحدة وطنية. لكنها تلاحظ أيضاً أن الإدارة الأميركية تتظاهر ببعض خطوات تساهل نحو الاستقرار في الأراضي الفلسطينية، في المقابل توصد الباب كلياً أمام حل ممكن للوضع اللبناني. لذا لم تعكس أحاديث المسؤولين السعوديين توقع حل قريب في لبنان نظراً إلى حجم الخلافات المحلية والتجاذب الإقليمي والدولي.
ــــــ ثالثتها أن العرش السعودي يحرص على إنجاح القمة العربية التي ستعقد في الرياض نهاية الشهر المقبل، وسعيه إلى مشاركة كل الدول العربية بما فيها الدولة التي تمر معها في أزمة ثقة وخلاف سياسي وشخصي، وهي سوريا. لكن ما يبدو قاطعاً في أوساط المسؤولين السعوديين أن الدعوة إلى المشاركة في القمة ستوجه إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وسيكون موضع ترحيب. بيد أن الأهم في ما يتوقعه المسؤولون السعوديون كسر تدريجي للخلاف بين الرياض ودمشق، واعتقادهم أن الحوار بين البلدين سيكون قد قطع شوطاً مقبولاً قبل موعد انعقاد القمة العربية.
ــــــ رابعتها ارتياح المملكة إلى المنحى الجديد الذي تسلكه العلاقات السعودية ـــــــ الإيرانية لكون الرياض وطهران قطبي زعامة الشرق الأدنى والدولتين الأكثر فاعلية في رعاية استقرار المنطقة، والخليج العربي خصوصاً.
ـــــــ خامستها تعويلها على المسار الذي تسلكه العلاقات الثنائية السعودية ــــــ الروسية منذ زيارة رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان لموسكو في 27 كانون الثاني، ثم زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرياض في 11 شباط، والدور غير المباشر الذي تقوم به موسكو، في موازاة دور مماثل لطهران، لتبديد الخلافات بين المملكة ودمشق. والواقع أن بين المسؤولين السعوديين مَن يحرص في مجالسه الخاصة على تذكير النظام السوري بالدور الذي أداه الملك عبد الله، ولياً للعهد ثم ملكاً، حيال سوريا ورئيسها الراحل حافظ الأسد في مواجهة الضغوط الأميركية عليه، وكذلك خلفه الأسد الابن في السنتين الأخيرتين في حمأة الحملات العنيفة التي خاضتها واشنطن ضد الوجود السوري في لبنان وضد النظام نفسه لزعزعة استقراره وحمله على تقديم تنازلات كبيرة، وإن المملكة شكلت مظلة حماية للرئيس السوري الحالي ونظامه بعدما وجه إليه الأميركيون اتهاماً مباشراً بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد يكون أبرز ما انطوت عليه الانطباعات الإيجابية التي رافقت زيارة الحص للسعودية استنتاج الأخير وهو في طريقه في اليوم التالي إلى دمشق لمقابلة الأسد (أمس) أن العرش السعودي منفتح على تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق تبعاً لقواعد جديدة تأخذ في الاعتبار التعامل الجاد بين الدولتين، مع أن مسؤولين سعوديين كباراً لم يكتموا أسفهم لأن تكون جهود تطبيع العلاقات السعودية ـــــــ السورية من دول غير عربية كإيران وروسيا.
إلا أن ثمة جانباً في العلاقات السعودية ــ الروسية والسعودية ــــــ السورية يتمحور حول المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية. واستناداً إلى ما يكشفه دبلوماسي روسي في عاصمة عربية أمام شخصية لبنانية واسعة الاطلاع، فإن ثمة تقارباً يكاد يكون ملموساً في موقف موسكو والرياض ودمشق من مشروع المحكمة الدولية، ويتركز على المعطيات الآتية:
1 ــــــ اعتماد روسيا نظرة جديدة إلى المحكمة ذات الطابع الدولي منذ أصدر رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس تقريره الأخير في 25 كانون الأول المنصرم. وتنطلق هذه النظرة من نظرة موسكو إلى التقرير عندما طرحت في 10 كانون الثاني علامات استفهام حيال الدول العشر غير المتعاونة مع لجنة التحقيق الدولية كما كشف التقرير. وبفضل جهود استخباراتها، نجحت في تحديد هوية هذه الدول، وبينها أعضاء في مجلس الأمن وأخرى دول عربية خليجية.
2 ـــــ إبلاغ الرئيس الروسي الملك عبد الله أن لا محكمة ذات طابع دولي يقرها مجلس الأمن تحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ما دام العنوان الرئيسي لمحاكمة قتلة الحريري أنها «محكمة لبنانية ذات طابع دولي»، وليست محكمة دولية مئة في المئة تتطلب اعتماد الفصل السابع، من غير أن يعني ذلك تراجع موسكو عن تأييدها المحكمة. إلا أنها أجرت في الأشهر الأخيرة إعادة قراءة شاملة لمواقفها من هذا الملف منذ صوتت مع القرار 1636 الذي دان سوريا ووجه إليها أصابع الاتهام على أساس أنها ضالعة فعلاً في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية، ولم يكن في وسع موسكو، المؤيدة لتحقيق العدالة من خلال التحقيق الدولي ومحاكمة القتلة، إلا مجاراة الاندفاعة الأممية نحو تأليف محكمة دولية، قبل أن تلمس في ما بعد أهدافاً مختلفة.
3 ــــــ في حصيلة اجتماعات عقدها الأمير بندر مع الأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي سيرغي إيفانوف في كانون الثاني الفائت، رُفعت حصيلتها إلى قمة بوتين والملك عبد الله الشهر التالي للاتفاق الكامل في شأنها، اهتمت موسكو بإبراز ضرورة تمييز التحقيق الدولي عن المحكمة ذات الطابع الدولي بحيث يناط بهذه محاكمة المتهمين الضالعين في جريمة الاغتيال، بعد أن يكون التحقيق قد انتهى بأكثر من قرار ظني يحدد المتهمين. والمقصود بذلك تعيين الدول غير المتعاونة مع التحقيق الدولي وإعلان حدود تعاون سوريا مع التحقيق لكونها المشتبه فيها.
وتبعاً لما كشفه الدبلوماسي الروسي لمحدثه اللبناني، فإن الموقف السعودي يصطدم بتحفظات أميركية بالغة التصلب تريد ربط عمل المحكمة الدولية بالتحقيق الدولي، فيما أبلغت موسكو الرياض أن في وسعها الحصول على تعهد سوري بالمضي في التعاون لكشف قتلة الرئيس السابق للحكومة اللبنانية. ويبدو مما تداوله الطرفان أن على كل منهما إقناع أفرقاء آخرين، هم، إلى سوريا، الأميركيون والفرنسيون لإحراز تقدم مهم في آلية عمل المحكمة، وخصوصاً لجهة فصل عمل التحقيق عنها، فلا تبدأ المحكمة قبل أن ينتهي ويأخذ مجلس الأمن علماً بذلك ما دام هو المرجعية المباشرة لعمل لجنة التحقيق الدولية.
4 ـــــــ تلاقي بندر وإيفانوف، ومن ثم زعيمي الدولتين، على إقرار المحكمة الدولية وفق الآلية الدستورية اللبنانية، وإن ما يتفق عليه اللبنانيون في ما بينهم تدعم العاصمتان تمريره في مجلس الأمن أو عبر اتصالات دولية لتبديد العراقيل. وهو أمر يحمل الروس على الاعتقاد بأن أفرقاء النزاع اللبناني لن يتوافقوا على الصيغة الحالية للمحكمة، إذ هي تدمج دور المحكمة بدور التحقيق الدولي.
والواضح من خلاصة الدبلوماسي الروسي، بحسب ما ينقل عنه الزائر اللبناني أن أحد مداخل استعادة الحوار السعودي ــ السوري هو التفاهم على صيغة كهذه تقف حائلاً دون تسييس المحكمة.