strong> كامل جابر
تحظى بعض كتائب اليونيفيل، بعد أشهر قليلة على انتشارها في مناطق جنوب الليطاني، برضى شعبي محلي، فيما يحاول البعض الآخر، ومنها الكتيبة الفرنسية، مدّ جسور من التواصل، بينها وبين الهيئات المحلية، كالبلديات والمختارين وبعض المدارس. بيد أنها لم تفلح كثيراً في استقطاب عطف «جماهيري» تتمناه؛ ومرد ذلك، بحسب إجماع معظم فاعليات المنطقة، إلى الموقف الفرنسي العام مما يجري على الساحة اللبنانية، خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز وآب المنصرمين، وبعده، ووقوف رئيس الجمهورية جاك شيراك وحكومته، إلى جانب «فئة معينة في لبنان» بحسب تأكيد أكثر من مرجعية محلية في منطقة بنت جبيل، حيث تتمركز الكتيبة الفرنسية.
ولم يتوان عدد من أبناء المنطقة، من توجيه أسئلة، استفهامية في شكلها، وتحمل الكثير من العتب في مضمونها، حول وقوف الكتيبة الفرنسية موقف المتفرج من الخروق الإسرائيلية، ومنها منع مزارعي بلدة عيترون من الوصول إلى حقولهم المتاخمة للخط الأزرق؛ فيرد قائد الكتيبة العقيد دوسيفان أن «ليس للقوات الدولية الصلاحية للتصدي لمثل هذه الخروق»، نافياً علمه «بقيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بطرد المزارعين اللبنانيين من حقولهم في بلدة عيترون اللبنانية الحدودية». ويذهب البعض إلى أن الكتيبة الفرنسية، تقوم فقط بحماية مواقعها، في الجنوب، ومنها مقر الكتيبة في بلدة دير كيفا، بدلاً من شمول حمايتها الجوية الجنوب اللبناني كله.
وقد وجّهت الكتيبة الفرنسية وقائدها دعوات عدة إلى رؤساء بلديات ومختاري وفاعليات مناطق انتشار الكتيبة الفرنسية في أقضية: بنت جبيل، مرجعيون وصور، من أجل لقاءات تشاورية، حول رؤية هذه المرجعيات للكتيبة الفرنسية واحتياجات المنطقة، وللتداول في مختلف الشؤون الحياتية والاجتماعية وما يمكن أن تقدمه الكتيبة الفرنسية من خدمات لأبناء القرى التي تشملها الرعاية الأمنية الفرنسية في إطار اليونيفيل؛ في المرة الأولى حضر اثنان من المدعوين، فتم تأجيله إلى مرة ثانية، وفي الثانية والثالثة، تراوحت الاستجابة بين حضور «مضطرب» ومقاطعة تدل على موقف من أداء الكتيبة الفرنسية أو من بلادها. ويشير مختار بلدة دير كيفا خليل سليم محمود إلى أنه تلقى دعوة من الكتيبة الفرنسية التي جعلت من جبل مارون في بلدته مقراً رئيسياً، «وذهبت إلى هناك ولم أجد غير شخص آخر. وفي المرات التالية، لم أدع إلى لقاء ثان وثالث؛ برأيي المقاطعة هي من دون إملاءات أو ضغوط من أحد، لأننا لم نلمس أصلاً نوايا صادقة بأن الفرنسيين يريدون تقديم الخدمات؛ أتوا إلى منطقتنا وأوضاع الناس سيئة جداً، والبنى التحتية أدنى من العدم؛ طلبنا مولّداً لتشغيل محطة المياه، وعدوا ولم ينفذوا. طلبنا إعداد الملعب ولم يلتزموا؛ وبدلاً من تقديم الخدمات، نراهم يخربون الطرقات ويقلقون راحة الناس بهدير آلياتهم، ليل نهار؛ الخروق الإسرائيلية لا تتوقف، ولا يتدخلون إلا بعد فوات الأوان، وبات الكثير من أبناء المنطقة يرون أن الفرنسيين أتوا لمراقبتنا نحن، لا لحمايتنا من الإسرائيليين».
ويرجح رئيس بلدية صريفا عفيف نجدي أن تكون «علاقة القلق بين الجنوبيين والفرنسيين متبادلة، فالجنوبيون ربما لهم ملاحظات على موقف الدولة الفرنسية ووقوفها إلى جانب حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، في مواجهة المعارضة في البلاد؛ والفرنسيون كأنهم يريدون خلق جوّ تعاون مع جيرانهم الجنوبيين ولا يدركون الوسيلة لذلك، مترددون أو لا يعرفون من أين يبدأون، يحاولون الدخول بعلاقات وخائفون! لكن بالمحصّلة، لا أظن أن أبناء المنطقة سيرفضون أي مشاريع خدماتية؛ وهم يذكرون تماماً كيف وقف الجندي الفرنسي بوجه الدبابة الإسرائيلية في القنطرة بعد اجتياح عام 1978. العلاقة حتى الآن محكومة بحساسية مفرطة قليلاً، فمجرد أن تقف دبابة أو ملالة فرنسية في داخل بلدة ما، يبدأ القلق وعلامات الاستفهام؛ وجرى أن بعض الفتية رشقوا مرة أو اثنتين دبابة فرنسية بالحجارة، ما جعل الفرنسيين على حذر خلال التنقل داخل القرى». وتأتي حادثة أول من أمس مع الكتيبة الإسبانية في دبين لتعزز هذا النفور ولتوسع نطاقه ليشمل اليونيفيل الأوروبية، رغم اعتبار هذا الحادث «ثانوياً ولا تأثير له على الوضع الأمني».
وتوضح مصادر مقرّبة من الفرنسيين أن المهمة الأساسية لدى الكتيبة الفرنسية هي مساعدة الجيش اللبناني؛ وتقديم بعض المساعدات الإنسانية للجنوبيين التي تشمل التنظيفات وتعزيز المدارس وتقديم المساعدات الزراعية والعمل في مجال نزع الألغام، وكذلك في المجال الثقافي؛ وهذه المساعدات بمبادرة ذاتية وليست ضمن القرار الدولي 1701».