طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
يشير التباين الذي برز أخيراً بين «الجماعة الإسلامية» ورئيس «جبهة العمل الإسلامي» الداعية فتحي يكن حول تبنّي و«ملكية» كلّ منهما للجناح العسكري للجماعة المتمثّل في «المقاومة الإسلامية ـــــ قوّات الفجر»، على عمق الخلاف القائم بينهما منذ تنحّي يكن عن منصب الأمانة العامة للجماعة عام 1992، وترؤسّه مجلس الشورى فيها لفترة قبل افتراقهما النهائي، وتأسيسه العام الماضي «جبهة العمل» التي تضمّ مروحة واسعة من الحركات والجمعيات الإسلامية السنّية من مختلف المناطق.
وأُثير التباين بين الطرفين حول هذا الموضوع في محطتين سابقتين هذا العام: الأولى في الثامن من أيلول الماضي عندما أعلن يكن خلال احتفال في صيدا أنّ «قوّات الفجر» باتت من «أركان جبهة العمل الإسلامي»، ما اضطُرّ «الجماعة» في صيدا إلى إصدار بيان أوضحت فيه أنّ يكن تحدّث عن «قوّات الفجر» بأسلوب «اجتزأ فيه التاريخ وروى نصف الحقيقة»، متمنية عليه «أن يضع الأمور في نصابها، احتراماً لصدقيته ولتاريخه، وأن يذكّرنا بقرارٍ ممّن أُسست قوّات الفجرّ ولمن تتبع، وهل يحقّ لأيّ كان أن يدّعي ملكيته لتاريخها ولو كان أحد قادتها السابقين؟».
أمّا المحطة الثانية، فكانت في الثامن من تشرين الأول الماضي، خلال حفل إفطار رمضاني أقيم في المنية، أعلن فيه يكن أنّ هذه «قوات الفجر» «تتابع اليوم نشاطها وتتولّى الدفاع عن قرى المواجهة في الشريط الحدودي، وهي بمعظمها قرى سنّية». وكان لافتاً، هذه المرة، أنه لم يصدر أيّ ردّ أو توضيح من الجماعة على ما قاله يكن.
إلا أنّ الخلاف برز مجدّداً على شكل ردود وردود مضادة بين الطرفين تناولتها بعض وسائل الإعلام، وذلك عندما نشرت جريدة «المستقبل» مقالة في (2 /11 /2007) تحت عنوان «المقاومة الإسلامية ـــــ قوّات الفجر: كيف نشأت وكيف سُرقت؟»، قال فيها كاتبها إنّ هذه القوّات التي «تأسست بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وبعد تحرير صيدا في 16 شباط 1985، حافظت على قوّة رمزية لها في عداد المقاومة في الجنوب تعمل وفق قرار قيادتها، لكن بالتنسيق مع حزب الله، كضرورة كان لا بدّ منها خلال فترة الوجود السوري في لبنان، وبقيت قوّة رمزية أخرى من أهالي العرقوب في أقصى الجنوب تعمل حتى حرب تموز من العام الماضي، وقد تركت موقعها بعد دخول الجيش وقوّات اليونيفيل إلى تلك البقعة». وأشار المقال إلى أنّه مع خروج يكن من الجماعة، وتأسيسه «جبهة العمل المدعومة من حزب الله والنّظامين السوري والإيراني، ضمّ إلى صفوفه قوّات الفجر بقيادة أحد كوادرها السابقين، الحاج عبد الله الترياقي، بعدما فصلته الجماعة الإسلامية، إذ تبيّن لها أنّ الحرس الثوري الإيراني قد استوعبه في مشروع بعيد عن توجهات الجماعة».
وردّ يكن على المقالة (4 /11 /2007) موضحاً أنّ الترياقي «تابع مسؤولياته بعد أن تخلّت الجماعة عنها (قوّات الفجر) وأوقفت نشاطها منذ فترة طويلة، وحافظ عليها وعلى دماء إخوانه الشهداء»، وأنّه ـــــ أيّ يكن ـــــ «لا يعتبر نفسه خارج إطار الجماعة الإسلامية أو منفصلاً عنها»، و«يعمل بدأب للعودة بالجماعة إلى موقعها الصحيح»، متمنياً أن «تعود الجماعة إلى موقعها المقاوم، وأن تتابع رعايتها لقوّات الفجر على كلّ صعيد».
وأوّل من أمس، ردّت الجماعة على توضيح يكن، فأكّدت أنّها «لم تتخلّ عن العمل المقاوم وعن قوّات الفجر»، التي كان «لشبابها دور بارز في التصدّي للعدوان الصهيوني الأخير في تمّوز 2006»، نافية الادّعاء بأنّ الترياقي «واصل تحمّل مسوولية القيادة الميدانية، وأنّ جبهة العمل الإسلامي ترعى الآن قوات الفجر».
واستغربت الجماعة «ادّعاء» يكن بأنّه «يعمل بدأب للعودة بها إلى موقعها الصحيح وإلى متابعة دورها الرائد في لبنان»، داعية إياه الى أن يسعى، كرئيس لـ«جبهة العمل الإسلامي»، إلى «ألا يورّط الجبهة في الموقع الخطأ»، مؤكدة أنّ «مقاومة المشروع الصهيوني ـــــ الأميركي لا تستلزم أن تكون الجبهة جزءاً من المعارضة الحالية، ولا أن تساهم معها في تعكير الأجواء الإسلامية وتصعيد الخلاف السياسي، الذي يصبّ في النهاية في خدمة هذا المشروع».
إلا أنّ السجال لم يتوقف عند هذا الحدّ، إذ أصدر «أنصار الحركة الإسلامية»، أمس، بياناً تساءلوا فيه عن «صحوة ضمير الجماعة تجاه العمل المقاوم وقوّات الفجر»، لافتين إلى أنّ الجماعة «تناست منذ عام 1990 بأنّها صاحبة مشروع مقاوم، وقطعت منذ ذلك التاريخ كلّ أنواع المساعدات المادية والعينية عن عوائل الشهداء وأبنائهم، وحوّلتهم إلى «مؤسّسة الشهيد» التابعة لحزب الله لرعايتهم».
وصول الأمر إلى هذا الحدّ، جعل أكثر من سؤال يطرح حول الولاء الحقيقي لـ «قوّات الفجر»: لـ«لجماعة» أم ليكن، وما إذا كانت لذلك علاقة بالنزاع الذي اندلع داخل الجماعة نفسها منذ «إطاحة» النائب السابق أسعد هرموش عن رأس مكتبها السياسي، وتعيين علي الشيخ عمّار بديلاً منه مطلع هذا العام، أم أنّه متعلق بـ«الحراك» الأخير واللافت الذي تشهده السّاحة الإسلامية السنّية في لبنان منذ سنتين تقريباً؟
مصادر إسلامية مطلعة أوضحت لـ «الأخبار» أنّ «الجماعة ترى أنّ قوّات الفجر ماركة رسمية مسجلة عندها، وهذا الأمر صحيح لأنّ هذه القوّات نشأت في أحضان الجماعة، إذ ترأسها بداية جمال حبّال الذي استشهد عام 1983، قبل أن يتولى الترياقي المهمّة حتى عام 2000». إلا أنّ المصادر أشارت إلى أنّ هذه القوّات «بعد ابتعاد يكن عن الجماعة التحقت به، وأصبحت بكاملها خارج إطار الجماعة لسببين: الأول أنّ قائدها الترياقي ومعظم عناصرها مؤيدون بالكامل ليكن، الذي يرون أنّ له الفضل في نشأة هذه القوّات ورعايتها، والثاني أنّ الجماعة ترى أنّ هذه القوّات تابعة لها عندما ترى ذلك مناسباً، وتنساها عندما تقتضي الظروف والضرورة».