ثمّة حضارات كثيرة تتفاخر باستعمال الأزهار في مطبخها. لكنّنا في البلدان العربية المتوسّطية نذهب أبعد من ذلك، إذ نقطّر الأزهار لنجعل من روحها مادّة أساسية في مأكولاتنا ومشروباتنا. ومن أكثر المقطّرات شيوعاً ماء الزهر، الذي تُعرف به مناطق عديدة في لبنان، وعلى رأسها بلدتا القلمون في الشمال ومغدوشة في الجنوب.يُستخرج ماء الزهر من زهر ليمون البوصفير، المعروف أيضاً بالبرتقال المرّ. وكان ماء الزهر موجوداً في العصر العباسي، وراج استخراجه واستعماله بعد اختراع العالم جابر ابن حيّان للأنبيق، وهو آلة التقطير المعروفة محلياً في لبنان باسم «الكركة».يجري تقطير ماء الزهر في أشهر آذار ونيسان وأيار. فتقطف الأزهار في الصباح الباكر لمنع الزيوت الخفيفة من التطاير، وتوضع في الكركة بمعدل كيلوغرام واحد من الأزهار لكل ثمانية كيلوغرامات من الماء. وتقطّر لفترة ساعتين، لتعطي تقريباً نصف ليتر من ماء الزهر من النوعية الممتازة. ويجري أحياناً تقطير الأزهار مرة ثانية، فتعطي الكمية نفسها من ماء الزهر «العادي».
بالإضافة إلى استعماله في الأطعمة والمشروبات الباردة والساخنة، يستعمل ماء الزهر أحياناً للإنعاش في حالات الإغماء. وقد أشارت التحاليل الكيميائية إلى أنّ بعض محتويات زهر الليمون يؤثّر على تدفّق الطاقة في الجسد، ويخفض من القلق، ويهدّئ الجسد، مّا يمكن أن يفسّر عادة احتساء القهوة البيضاء (ماء ساخن مع ماء الزهر) قبل الخلود إلى النوم.