راجانا حميّة
بات معظم التلامذة مرتهنين لطوائفهم في المدارس التي ينتمون إليها، خارج المنطق العلمانيّ، سواء أكانت خاصّة أم رسميّة، بعدما فشلت وزارة التربية والتعليم العالي مراراً في فرض رقابتها.
انطلاقاً من هذا الواقع، يطرح المتخصص في علوم التربية، علي خليفة، في كتابه «أبناء الطوائف» إشكاليّة التعليم الديني في المدارس، داعياً إلى مراجعة المناهج التربويّة والدينيّة في التعليم، وتصميم مناهج جديدة تبني إنساناً يتمتّع بقيم الانفتاح على الآخر. يثور خليفة في تجربته الأولى على الطوائف من دون استثناء، وينتقد النظام السياسي الذي زاد من الإفرازات الطائفيّة. ويحاول في «أبناء الطوائف»، إبراز الدور اللامتوازن للدين في المناهج، وبالتالي استشفاف المنحى الطائفي في غالبيّة المدارس ذات الطابع الديني.
وفي فصلٍ كاملٍ حمل عنوان «ماذا يجري خلال حصص التعليم الديني؟»، يورد نماذج من نشاطاتٍ مقترحة خلال ساعات التعليم الديني في إحدى المدارس المسيحيّة التابعة لإحدى الرهبانيات، وأخرى إسلاميّة تابعة لإحدى الطوائف وثالثة رسميّة. ففي المدرسة المسيحيّة، يُطلب من التلامذة ملء بطاقة شخصيّة كبطاقة الهويّة، مع استبدال الصورة الفرديّة بصورة المعموديّة وكتابة اسم العرّاب بعد الاسم والعائلة، إضافة مكان الأبرشيّة بدلاً من مكان السكن. ومثلما تنتهي بطاقة الهويّة بعبارة «لبناني منذ أكثر من عشر سنوات»، تنتهي البطاقة الشخصيّة بعبارة الكاهن التي يقولها عند العمادة «هكذا أنتمي إلى عائلة المسيح إلى شعب الله». وفي المدرسة الإسلاميّة، تبدأ الحصّة الدينية بالبسملة والحمد، ينتقل بعدها «المعلّم المتديّن» إلى إخبار التلامذة عن العذاب الذي يواجهه كل من يحيد عن الإيمان ومن لا يهتدي إلى دين الحقّ الذي أتى به الرسول، على أن يتابع ترهيبه إلى أن يصل إلى عذاب القبر وما إلى ذلك من عذابات.
أمّا الطامّة الكبرى، يقول خليفة، فتكمن في المدارس التي تنتمي إلى طائفةٍ معيّنة، فيما ينتمي بعض تلامذتها إلى طائفةٍ مغايرة، فهنا، تبدأ حصّة التعليم الديني بفرز الطلّاب، أسبوعيّاً، بحسب طوائفهم. ويلفت خليفة إلى أنّ الطلّاب «المفروزين» إلى خارج القاعة في الحصّة الدينيّة قد يشعرون بالاستفزاز القائم على ثقافة الاختلاف وضرورة المحافظة على هويّتهم المختلفة التي يتمّ تجاهلها عمداً، خوفاً من فقدانها. ويتساءل: «لماذا تكون المدرسة عاملاً مساهماً في إظهار الاختلافات الطائفيّة في بلدٍ مزّقته الحروب الطائفيّة أكثر من مرّة؟». يكمن الجواب في فصولٍ آخرى تتناول الإشكاليات السياسيّة التي تغزو بعمقٍ التعليم الديني من زاوية تحديد الانتماء، إضافة إلى تدخّلات رجال الدين في السياسة عبر تحويل الخطاب الديني إلى دعاية سياسية أو تعبئة جماهيرية.
ويتوقف خليفة عند عجز الدولة عن فرض الرقابة على التعليم الديني، والمركز التربوي للبحوث والإنماء عن وضع كتابٍ موحّد لهذا التعليم، على الأقل في المدارس الرسميّة، حيث يجمع في مضمونه قيماً مشتركة للمسيحيين والمسلمين.