غسان سعود
كريم فرح واحد من مجموعة طلاب في الجامعة الأميركية في بيروت يحلمون بتغيير مجتمعهم. تغيير يبتعد عن العناوين الكبيرة ليركز على التفاصيل الصغيرة. والمفارقة أنّ تغيير التفاصيل يجعل من كريم ومن يشبهه أقرب إلى صنّاع ثورة. ثورة لا تزال في سنواتها الدراسية الأولى

يثير المظهر الخارجي للطالب كريم فرح الاهتمام، فشعره الطويل يتكامل مع لحيته الكثة وبريق عينيه المطوقتين بالأسود. وينقسم زملاء كريم في نظرتهم إليه بين من يستصعب فهمه والتعامل معه «لتعقيده الأمور وتوقفه عند أمور ساذجة»، وبين المعجبين بحماسته «لتغيير العالم وانتقاد الذين يشبهون بعضهم ويخافون التطرق إلى كل ما ورثوا عن أهلهم لتصنيفه حراماً». ويتّهم آخرون كريم بأنّه يطرح قضايا استفزازية هدفها الوحيد إرباك «الجو العام» والتصادم معه.
بدوره، يتحفظ كريم بداية عن الكلام مع الصحافي بصفته «شخصية استثنائية». وإذ يطمئن إلى أنّ المقال لا يهدف إلى تصويره كأحد عظماء البلد، يرتاح في الكلام، موضحاً أنّّه اختار التخصص في الـ«غرافيك ديزاين» لقناعته بأنّ اختصاص الرسم الذي يفضّله قد لا يوفر له لاحقاً وظيفة ذات دخل مقبول. وقد أدّت صورة الجامعة الأميركية الاجتماعية دوراً كبيراً في جذبه إلى رحابها، وخصوصاً وجود «أشخاص من كل الأشكال والألوان وتوافر حد أدنى من الحياة الثقافية لم يعد موجوداً في كثير من الجامعات الأخرى»، إضافة إلى قرب الجامعة من منزله في الحمرا.
يأسف كريم لنظام التسجيل المعتمد في اختصاصه والذي يسمح بتسجيل كثيرين «لا علاقة لهم بالتصميم ولا بالرسم». ويتوقف عند السطحية التي يتسم بها معظم زملائه في كليته «التي يجب أن تكون خلية ثقافية لا تهدأ»، موضحاً محاولته وبعض زملائه عبثاً «تحريك الجو وخلق حالة ثقافية شبابية» ما لبثت أن اصطدمت ببرودة غالبية الطلاب الذين يتشاغلون باستهزاء بعضهم من بعض و«البحث عن العريس اللقطة».
ويقول كريم، بسخرية، إنه يحاول أن يجد في الثياب وشكل «البوتين» وغيرها من القضايا الـ«superficial» ما يمكن الكلام عليه طوال النهار، كما يفعل معظم زملائه.
من جهة أخرى، يؤكد كريم أن أهل «الأميركية» لم يتقبلوا كثيراً عاداته، و«لم يفهموا كيف يمكن شاباً في مطلع العشرينات أن يعيش من دون cellular». و«ذهب البعض بعيداً في نظرياته فيما الحقيقة أنني اعتدت العيش من دونه، تماماً كما اعتاد البعض عدم الاستغناء عنه»، يوضح كريم ويفصح عن شعوره بأن الهاتف الخلوي يقتحم خصوصية الفرد. وإذ يشير إلى أن الثرثارين يجدون دوماً ما ينتقدون الآخرين عليه سواء توافرت لهم حجة أو لا، يلفت إلى إن البعض وجد في تدخينه «السيجارة العربية» مادةً للبلبلة، وذهبوا في تخيلاتهم إلى حد اتهامه بتدخين الحشيشة في وسط الجامعة وعلى مرأى من الجميع. يشير كريم إلى أنه لا يفعل هذه الأمور لجذب الأنظار، وهو يفضّل هذه السيجارة لطعمها الطيب، ولشعوره بأنها طبيعية، إضافة إلى تلذذه بلفّها.
وهنا يعدّد أمثلة عن أشخاص كثر التقاهم في حياته يتقيدون بحرفية النظم الاجتماعية، ويتصرفون وفق التزام تام بما يعجب غيرهم، حتى لو اقتضى هذا الأمر القضاء نهائياً على شخصيتهم وتمايزهم. ويشير بإصبعه إلى المحيطين به، مؤكداً أنه يستصعب التمييز بينهم شكلاً ومضموناً.
ويحاول كريم أن يفصّل المشكلة أكثر. مشيراً إلى أن «الغالبية، في الجامعة وخارجها، تعاني مشكلة أساسية تكمن في السعي لسحق الآخر». وتتخطى هذه المشكلة، كما يقول، العلاقة بين المسلم والمسيحي، أو الرجل والمرأة، لتطال الأصدقاء أنفسهم. ويعود إلى تجربته مرة أخرى، فيلفت إلى أنّ أهله أدّوا دوراً كبيراً في رسم شخصيته الحالية عبر تركه يكتشف العالم ويختار بنفسه كيف يريد أن يكون.