باريس ـ بسّام الطيارة
لا يكفّ المسؤولون الفرنسيون عن الحديث عن رغبتهم في إجراء «انتخابات رئاسية في لبنان من دون تدخل خارجي». ولدى السؤال عن معنى سفرات وزير الخارجية برنار كوشنير والأمين العام لقصر الإليزيه كلود غيان إلى المنطقة، وتعريف المبادرة الفرنسية، وهل يمكن وضعها في إطار التدخل الخارجي، يفسّر مصدر فرنسي مسؤول دور دبلوماسية باريس بأنها «مسهّلة للأمور»، وصولاً إلى رئيس توافقي، وأن المقصود بالتدخل الخارجي «دول المنطقة»، مع الاعتراف باهتمام فرنسي «تاريخي» ببلاد الأرز.
ويضيف المصدر أن فرنسا «لا تتدخل بأي شكل من الأشكال» في الاستحقاق اللبناني، وأن كل ما تريده هو «انتخاب رئيس يحظى بأوسع تأييد نيابي وشعبي، ولا يهمها أن تعرف من هو، بل أن يتجنّب لبنان الفوضى» التي يمكن أن تصل إلى حد الاقتتال.
ولكن في موازاة هذه التوضيحات، ظهرت تسريبات مدوزنة «من مراجع دبلوماسية عليا» في سياق توسيع إطار الاتهامات لـ«بعض دول المنطقة»، وخصوصاً لسوريا، عبر الدخول في تفاصيل كثيرة، مثل «المكاتب الكثيرة الموجودة في دمشق» التي تملك مفاتيح التقدّم في مسار التوافق. ولم تتردد مصادر مسؤولة في الخارجية الفرنسية في التلويح، قبل وصول كوشنير إلى بيروت، بأنّ مجرّد حصول اغتيال «يمكن أن يقضي على أيّ بارقة أمل في الوصول إلى اتفاق».
وفي المقابل، فإنّ هذه المصادر لا تتردد في «امتداح الإيجابية الإيرانية وواقعيتها» في التعامل مع المقاربة الفرنسية للحل، وتدرج هذا الأمر في خانة الإيجابيات التي نجحت فرنسا باستجلابها، إلى جانب حصولها من واشنطن على «فترة سماح» تمتد حتى «عشية الدعوة الثالثة لانتخاب الرئيس اللبناني»، وإقناعها بضرورة التخلي عن الانتخاب بالنصف زائداً واحداً.
وتعترف المصادر بأن ما يبدو تكليفاً أميركياً ليس «كاملاً وليس من دون مقابل»، كما أنه «غير مرشح للتجديد» إذا عجز اللبنانيون عن التوافق. وتضيف المصادر أنه في هذه الحال، فإن «باريس لا تمتلك حلاً بديلاً» لمبادرتها القائمة على تسهيل الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين.
ومن نافل القول إن موجة التفاؤل التي اجترحتها الدبلوماسية الفرنسية، عقب عملية إقناع البطريرك الماروني نصر الله صفير بضرورة «تحمل مسؤولية وضع لائحة»، تبدّدت وحلّت مكانها موجة تشاؤم، نتيجة «النزاعات المتعلّقة بالأنا لدى القيادات المسيحية»، كما يقول مصدر مقرّب من وزير الخارجية.
ويشير المسؤول في هذا الصدد إلى حديث كوشنير عن «الانقسام المسيحي»، الذي سبق انتقاله إلى المنطقة، وذلك في إطار «ندوة حول مسيحيي الشرق». وانتقد اعتماد المؤسسات اللبنانية على الانتماء الطائفي، مشيراً إلى أن هذا الأمر يؤدي إلى «مزيد من هجرة المسيحيين». وشدّد على ضرورة دعم مسيحيّي الجنوب، تجنّباً لتراجع أعدادهم بسبب ارتفاع عدد الشيعة. إلا أن هذا لا يمنع مصادر مقربة من كوشنير من توجيه اللوم الكبير إلى الزعماء المسيحيين لعدم توافقهم «رغم أن اللائحة قد وضعها البطريرك»، مشددة على أن هذه الخطوة ليست خطأ، بل هي فتحت باب «آلية الاختيار». وأشارت إلى إمكان التوافق في اللحظة الأخيرة على أساس هذه اللائحة.
كذلك رأت المصادر أن «اللائحة ـــــ الآلية» فتحت أيضاً باب «الحوار البراغماتي» بين دمشق وواشنطن استناداً إلى واقع أسماء «صادرة من أعلى مرجع مسيحي»، وتضع، أي المصادر، زيارة ملك الأردن عبد الله الثاني إلى دمشق ضمن «النتائج المباشرة» لانطلاق هذه الآلية، التي سمحت بدورها بانطلاق «الحوار الوحيد» الذي يمكن أن يزيل العقبات في الأيام الأخيرة في حال «حصول تفاهم»، نتيجة هذه الزيارة.