فداء عيتاني
• البارد: لا عزاء للفلسطينيّين الواقفين وحدهم

70 % على الأونروا إعادة الإعمار
85 % منظّمة التحرير لا تعمل لمصلحتنا
40 % لبنانياً يمثّلنا حزب الله

أجرى مركز بيروت للأبحاث والمعلومات استطلاعاً للرأي عن نازحي مخيم نهر البارد حول موقفهم من مواضيع مختلفة، ومنها: من يتحمل المسؤولية الأساسية عن أحداث نهر البارد، الجهة التي يجب أن تتولى الإشراف على عملية إعادة الإعمار، تقويم أداء فصائل منظمة التحرير والتحالف الفلسطيني، الأزمة بين أبناء نهر البارد ومحيطهم اللبناني، وموضوعات أخرى. نُفِّذ الاستطلاع بين 3و 6 من تشرين الثاني 2007، وشمل عيِّنة من 300 مستطلَع، واعتمدت منهجية إحصائية تلحظ توزع الفئات العمرية المختلفة من الجنسين، وأُجريت المقابلات في مخيم البداوي ومحيطه


لا منظّمة التحرير ولا الفصائل تمثّلهم والحكومة اللبنانية تتحمّل مسؤوليّة ما جرى


يفقد الفلسطيني الآتي إلى مخيم البداوي من مخيم البارد، الكثير من الطموحات. صار همّه العودة من مخيم إلى آخر، وهو يعلم، كما سيظهر في الاستطلاع الآتي، انه وحيد في مواجهة مصيره، فلا القوى اللبنانية تمثله، ولا القوى الفلسطينية يمكنها إعادته إلى حياة كريمة، وإلى مخيم لم يعش حرباً في ظل أشد أيام الحرب الأهلية اللبنانية حلكة.
تنتهي حرب البارد معارك، لكنها لا تنتهي فصولاً. لا يزال يعيش فيه ما يقارب 40 ألف لاجئ فلسطيني هربوا من البارد تحت شعار أطلقته الحكومة الحالية إبان المعارك ينص في ختامه على أن العودة مؤكدة، إلا أنهم لاجئون في مخيم البداوي الذي فقد هو الآخر حياته الطبيعية. وينسى اللبنانيون في غمرة الواقع اليومي معاناة هذه الفئة التي تؤلّف واحداً في المئة من الساكنين على الأراضي اللبنانية، كما ينسون أن هذه الفئة نفسها قد تكون قنبلة موقوتة.
تظهر نتائج الاستطلاع تحميل الفلسطينيين للحكومة اللبنانية المسؤولية عما جرى في مخيم البارد، ومن بعدها الفصائل الفلسطينية، وتتحمل «فتح الإسلام» النسبة الأدنى من المسؤولية بحسب العينة المستطلَعة. وهو ليس بالأمر المستغرب إذا ما نُظر إلى الدور الذي أدّته السلطات اللبنانية بغضّها النظر عن نشوء «فتح الإسلام» وتكوّنها، وعن الدور الذي لعبته المنظمات الفلسطينية عبر صراعاتها الداخلية وعدم تقديم تسهيلات حياتية ولا خيارات سياسية واقعية لأبناء المخيم، مما سهّل دخول «فتح الإسلام» في نسيجه واختراقها له، وخاصة حين أصبحت أحوال المخيم العامة تستدعي من يضبطها فارتاح الفلسطينيون إلى من اعتقدوه في البداية «طرفاً نقياً سيوفر الأمن ويضبط الشارع»، أي «فتح الإسلام».
لكن الصورة تتشوش لدى السؤال عن ارتباطات «فتح الإسلام» الخارجية، وتأتي النسَب متقاربة، علماً أن أبناء المخيم هم أقرب الناس إلى هذا التنظيم الذي كما يبدو بقي مجهولاً، فلم يمكن الحسم ما إذا كان تنظيماً مستقلًّا أم تابعاً لأجهزة استخبارات عربية، أم جزءاً من مكوّنات تنظيم «القاعدة». وهو أمر طبيعي بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين وجدوا فجأة بين ظهرانيهم مجموعات قتالية منظمة وسرية، تنشط على أطراف مخيمهم وسط حالة شلل للفصائل الفلسطينية لم يفرضها ترهّل هذه الفصائل فحسب بل فرضتها أيضاً حالة الصراع الفلسطيني ـــــ الفلسطيني.
النسَب تعود إلى الوضوح الشديد، إذ تقرر أغلبية المستطلَعين (70.4%) أن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين هي من يجب أن يشرف على عمليات إعادة إعمار المخيم، وبعدها تحصد الحكومة اللبنانية نسبة ثقة تصل إلى 26.6، بينما الفصائل الفلسطينية لا تحصل من شعبها إلا على نسبة ثقة تبلغ 3 في المئة، مما يمكن أن يكون مدخلاً لبحث جدي في أزمة غير مسبوقة في الثقة بين الشعب الفلسطيني ومراجعه السياسية بمختلف فصائلها. علماً أن الجو الفلسطيني العام يشكو من وضع وكالة غوث اللاجئين، ومن الإهدار فيها، وتطالب جميع الفصائل صراحة بإصلاح الوكالة من الداخل. إلا أن المقارنة هنا تبدو بين السيئ والأسوأ، حيث تروح الثقة بالجانب الفلسطيني تتقلص إلى حد الاضمحلال.
ويشير إلى هذا الجانب من انعدام الثقة سؤال آخر عن تقويم أداء فصائل منظمة التحرير، حيث يصنفها 77.7% في خانة «السيئ»، ويراها 2.3% «جيدة جداً» مما يوضح وضع القيادة التاريخية للشعب الفلسطيني، ومدى نجاح هذه القيادة في معالجة الكارثة التي حلّت بأبناء مخيم البارد. ولا تشذ فصائل التحالف كثيراً عن واقع منظمة التحرير، وإن كانت قد سجّلت نسبَاً أعلى بقليل.
ربما كان من المضحك توجيه السؤال إلى النازحين الفلسطينيين عن تفاؤلهم بالعودة، فمجرد كلمة تفاؤل تبدو مستغربة لأي لاجئ فلسطيني في لبنان، كذلك من المستغرب طرحها في المخيمات التي لم تتعرض لأعاصير من المعارك كالتي وقعت في البارد، ورغم ذلك يمَني 63% من النازحين النفس بالعودة سريعاً إلى مخيمهم، رغم تأكيد أغلبية مطلقة من المستطلَعين أن الانقسام الفلسطيني سينعكس سلباً على العودة، التي لن تسهم في تحسين الأوضاع الحياتية للاجئين، وكذلك فإن الأزمة السياسية اللبنانية ستشترك في إعاقة عملية إعادة الإعمار.
ويعكس الفلسطينيون الهاجس الجديد الذي أصبحوا يعيشونه في منطقة شمال لبنان، فبعد التعبئة الشمالية، باتوا يسبحون في محيط معاد، سبق أن وقعت العديد من المشكلات بينه وبينهم، ويرى 84% من أبناء المخيم أن هناك أزمة مع الجانب اللبناني، ويرى نصفهم أن هذه الأزمة مفتعلة، والباقون يرونها إما مؤقتة أو عميقة.
«لا أحد يعبّر عن الموقف السياسي للفلسطينيين في مخيم البارد»، هذا هو جواب 63.3% من النازحين، وأفضل فصيل فلسطيني حصد 11.7%، وهو حركة «حماس»، وبعدها «فتح» بثماني نقاط، وبعدها الجبهة الشعبية بسبع نقاط. أما من القوى السياسية اللبنانية، فإن حزب الله يحصد 40% من التأييد، بينما يرى 40% من الفلسطينيين أن لا أحد من القوى اللبنانية يمثل وجهة نظرهم.
وحدهم 15% من النازحين يرون أن مسؤولي منظمة التحرير يعملون لمصلحة الشعب الفلسطيني، بينما يعتقد 85% أن هؤلاء المسؤولين لا يعملون لمصلحة شعبهم.