عكار ــ خالد سليمان
في 17 أيلول الماضي، رفضت «لجنة إعادة النظر في العقوبات» الإفراج المشروط عن المعتقل السياسي في السجون الفرنسية جورج عبد الله، والحجة أن عبد الله «لم يبدِ ندماً على ما فعله».
ليست المرة الأولى التي تتجاوز فيها السلطات الفرنسية قوانينها في التعامل مع قضية جورج عبد الله. كان من المفترض أن يطلق سراحه منذ عام 1999، وفق قانون العقوبات الفرنسي، لكن السلطات الفرنسية تستمر باعتقاله من دون أسباب مشروعة، أو هي «تختطفه» كما يقول شقيقه الدكتور جوزف عبد الله الذي يستغرب تقصير المسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً الحكومة اللبنانية في متابعة وضع مواطنها، مضيفاً بلهجة لا تخلو من الغضب «هل جورج إيدز» حتى لا يجرؤ مسؤول على المطالبة بإطلاق سراحه؟
تقدم جورج إبراهيم عبد الله من القضاء الفرنسي بطلب الإفراج المشروط عنه في السادس من شباط 2007. لم يتأخر رد فعل الخارجية الأميركية في توجيه المداولات الفرنسية في الأمر. ففي التاسع من آذار أبلغت الفرنسيين بلهجة دبلوماسيتها التي باتت معروفة بفظاظتها: «تعبّر حكومة الولايات المتحدة عن رفضها الصارم لاحتمال الإفراج المشروط عن جورج عبد الله نتيجةً للمداولات أمام المحكمة العليا في باريس».
وفي مرافعة في جلسة المداولات في 17 أيلول 2007 في محكمة لانيميزان، أكد وكيل عبد الله المحامي الفرنسي الشهير جاك فرجيس أن «السلطات الأميركية تجاهلت بفعلتها أن العقوبة وحجز الحرية هما من اختصاص الدول المسؤولة فحسب، لا من اختصاص جيرانها أو حلفائها».
ويضيف فرجيس «وعلى أي حال، لا تخضع الفظاظة لغير حكم الذوق الرديء حيث للإدارة الأميركية موقعها المعروف. ومع ذلك، ليس من حقها، وهذه ليست مسألة في آداب السلوك، أن تبلغ القضاء الفرنسي بلهجة آمرة رفضها الصارم لإجراء الإفراج المشروط الذي من الممكن أن تقرره. ففي طلب السلطات الأميركية هذا تدخّل مرفوض في القضاء الفرنسي وإهانة له».
وطالب فرجيس بسحب هذه «الوثيقة البذيئة» من ملف القضية، مبدياً أسفه أن تعتقد وكالة الأمن القومي «ديه إس تيه» DST، بعد 15 يوماً، في «تقرير ـــــ فضيحة» أن عليها أن تؤدي دور وصلة لمطالب الخارجية الأميركية. وجاء في التقرير: «من المؤكد أن الإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله، المسؤول عن موت العديد من الأشخاص في فرنسا وبينهم دبلوماسيون أميركيون وإسرائيليون، سيثير اعتراضات حادة من جانب مدعي الحق المدني وسلطات بلادهم. فحيث نحن نطالبكم بموقف قضائي يطالبكم مدير الاستخبارات بموقف سياسي لمصلحة السلطات الأميركية».
وبحسب فرجيس «لا تحتاج السلطات الأميركية إلى دعم الاستخبارات الفرنسية. فلطالما حصلت على هذا الدعم، وخصوصاً في قضية جورج عبد الله، وهي ليست لتجربها اليوم. فقد سبق لوليام كايسي، يوم كان مديراً للاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، أن جاء إلى فرنسا مع كل العنجهية المرتبطة بممارسة هذه الوظيفة، ليمارس الضغط على الحكومة الفرنسية ممثلة بشخص روبير باندرو وزير الأمن لمنع الإفراج عن عبد الله».
وبحسب جوزيف عبد الله فإن المعطيات التي توافرت عن جلسة أيلول 2007 أفادت بأن جميع الأطراف المعنية فيها، مدير السجن، تقرير الأطباء، القضاة... موافقون على الإفراج، ولكن وحدها الاستخبارات الفرنسية، ومن خلفها الاستخبارات الأميركية والإدارة الإسرائيلية، هي التي اعترضت. ولقد تقدمت الاستخبارات الفرنسية بتقرير ملفّق يزعم أن جورج عبد الله اعتنق الإسلام. ويزعم التقرير أن أهل جورج متعاطفون مع الحركات الإسلامية، ويؤلّفون «خلية نائمة»، وبالتالي لا يجوز الإفراج عن جورج كيلا يوقظ هذه الخلية. يعلق جوزيف عبد الله بقوله: «بالطبع الاستخبارات الفرنسية تعرف تماماً أن كلامها مختلق ولا أساس من الصحة له، وبعد هذا التقرير بتنا نخشى على حياتنا، فهذا التقرير تهديد لنا، ونحن نحمّل السلطات الفرنسية كل المسؤولية عن أي سوء يصيب أحد أفراد العائلة. ونحمّل السلطات اللبنانية المسؤولية نفسها».
ويتساءل جوزيف عبد الله ما إذا كان القضاء الفرنسي مستقلاً ويعمل طبق القانون الفرنسي، أم وفق تقارير الاستخبارات الملفّقة؟ فهل هو عدالة أم انتقام؟ ويطالب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتطبيق القانون الفرنسي والإفراج عن جورج. ويتفاءل بالوعود التي أطلقها قادة حزب الله بالتدخل لإطلاق سراحه، وكذلك باهتمام النائب العماد ميشال عون.
ويؤكد جوزيف عبد الله أن موقف جورج من القضية الفلسطينية لم يتغير، وأن اسرائيل هي العدو. وربما تكون هذه المواقف سبباً في عدم إطلاق جورج الذي سبق أن أكد لمحكمة الإفراج المشروط هذه المواقف، مع قوله إنه سيضع نفسه بعد خروجه من السجن في تصرف الدولة اللبنانية والشعب اللبناني... فهل يكون ذلك في وقت قريب؟ هذا ما تأمله عائلة جورج عبد الله.