جان عزيز
كيف تسرّب خبر الدعوة البطريركية إلى لقاء ماروني يُعقد في بكركي في رعاية صاحب الغبطة الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير؟ وما المقصود من التسريب؟ وهل أدّى غرضه؟
أوساط معنيّة بالدعوة كشفت أن الفكرة بدأت قبل نحو أسبوعين، وتحديداً وسط الأجواء التواصلية الإيجابية التي خلّفتها الجريمة التي أدت إلى اغتيال النائب الراحل أنطوان غانم. وأضافت إن المشروع القديم أو حتى المزمن، عن عقد لقاء ماروني في الصرح، عاد البحث فيه مجدّداً، وكما في كل مرة يكون الموضوع شأناً يهمّ البيت الماروني الداخلي، عُهد به إلى النائب البطريركي المطران سمير مظلوم، ذلك أن الأخير بات شبه متخصص في الشأن الماروني ــــ الماروني. وهو كان قد تصدى مراراً لملفاته، منذ التوتر الذي أعقب اغتيال الوزير والنائب بيار الجميل في 21 تشرين الثاني الماضي، وصولاً حتى مساعي التسوية المفقودة في فرعية المتن في 5 آب الماضي، وما بينهما من مشاريع ميثاق الشرف الماروني والأوراق المتبادلة بين مختلف القوى السياسية المارونية وبين بكركي.
وتكشف الأوساط نفسها أن المطران مظلوم قبل نحو ثمانية أيام، قام بسلسلة اتصالات بعيدة عن الإعلام، وبجولة زيارات مكوكية ومكتومة، على القيادات المارونية الأساسية، حاملاً الفكرة: عقد لقاء ماروني في بكركي، في رعاية البطريرك وحضوره.
وسرعان ما تبيّن أن ثمة مسألتين اثنتين لا بد من توضيحهما وبتّهما في شكل مسبّق، حرصاً على انعقاد اللقاء أولاً، وضماناً لخروجه بنتائج عملية وإيجابية، تجنّب الصرح وسيده والملتقين صورة أي تعثر أو فشل، مما قد ينعكس خيبة جديدة على مستوى الرأي العام الماروني والمسيحي واللبناني.
المسألة الأولى التي ظهرت، تتمثل في السؤال: من سيشارك في اللقاء؟ وهو سؤال لم تلبث الأفكار المطروحة للإجابة عنه، أن توزّعت بين رأيين: واحد يقول بحصر الدعوة في القوى المسيحية الأساسية الأربع، أي التيار الوطني الحر، الكتائب، القوات والمردة. فيما الثاني يصر على توسيعها لتشمل أحزاباً وشخصيات أخرى، مع التمسك بدعوة حزبي الوطنيين الأحرار والكتلة الوطنية وشخصيات مستقلة أخرى.
ولما كان واضحاً للجميع منذ طرح الفكرة بدايةً، أن المشاركة في اللقاء مطلوبة على مستوى الصف الأول، كان أصحاب الرأي الأول في منتهى الصراحة لجهة مقاربتهم هذه المسألة. معتبرين أن توسيع دائرة الدعوة سيؤدي الى تضييق أفق الحوار، وبالتالي إلى التخفيف من وقع الحدث وجديته، أمّا إذا كان الإصرار قائماً على التوسيع، فعندئذ يفترض أن تكون معايير الدعوة موحّدة، على قاعدة مشاركة كل رؤساء الأحزاب، أو كل الشخصيات. ذلك أنه من يقدر على وضع مقياس تفاضلي لجهة الواقع التمثيلي للمدعوين من خارج الصف الأول المتعارف عليه.
وحيث لم تكن هذه المسألة الأولى قد حُسمت، جرى البحث في المسألة الثانية في شكل متزامن: ما هو جدول أعمال اللقاء؟ وفيما بدا المطران مظلوم منفتحاً على سماع وجهات النظر كلها، تمهيداً لوضع أجندة «المؤتمر الماروني»، ظهر سريعاً رأيان متقابلان أيضاً: واحد يؤكد على ضرورة أن يكون هناك جدول أعمال واضح ومحدّد أياً تكن بنوده، بما يسمح بتحويل اللقاء إلى اجتماع عمل جديّ ومثمر. وآخر يرفض هذا الطرح، ويصر في المقابل على الصعود إلى بكركي لسماع ما لدى سيدها من آراء، من دون التزام أي نقاط للبحث أو المعالجة.
وتؤكد الأوساط المتابعة للخطوة، أن المسألتين المطروحتين لم يُتوّصل إلى حل بشأنهما، لكنهما ظلتا موضع عناية المطران مظلوم شخصياً من أجل توضيحهما، وهو ما دفعه إلى التمنّي على المعنيين، إبقاء الموضوع طي التكتم، حرصاً على إنجاحه. وتمني السرية هذه، لاقاه الأقطاب بالحرص والتأكيد نفسيهما، من زاوية الجدية في التعامل، كما خصوصاً من زاوية الحيطة الأمنية الواجبة حيال انتقال عدد من الأقطاب الموارنة في وقت محدّد وإلى مكان معروف. إذ كانت المصارحة كاملة مع أصحاب الدعوة، بأنّ أيّ خلل أمني في الخطوات العملانية للقاء، قد يؤدي إلى تطييره في هذه الظروف الأمنية الحرجة والدقيقة جداً.
وفيما هذه المسائل موضع بحث دقيق في الكواليس الخاصة وعبر قنوات شخصية مباشرة وموثوق بها، فوجئ الجميع بتسريب الخبر إعلامياً، وعبر وسيلة محسوبة على الموالاة.
ماذا يعني ذلك؟ تلاحظ الأوساط المعنية نفسها أن التسريب في هذا التوقيت، يؤدي عملياً إلى ترتيب أخطار أمنية كبيرة على المشاركين، وخصوصاً أنه يجعلهم أمام قرار الذهاب إلى الصرح أو عدمه، قبل البت في المسألتين الأساسيتين المطروحتين، حول من سيكون مدعواً وما هو جدول أعمال الدعوة.
وبالتالي لا تستبعد الأوساط المذكورة، أن يكون القصد من إفشاء خبر الدعوة أمراً من اثنين: إما تطيير الاجتماع كلياً، للأسباب الأمنية، وإما حشر بعض الأطراف المشاركين وإحراجهم لتلبية الدعوة قبل بت المسائل العالقة حيالها، وهو ما يعني فرض وجهة نظر البعض على البعض الآخر مسبّقاً، لجهة من سيحضر وماذا سيُبحث. وخصوصاً أن الدعوات قد وجهت فعلاً إلى أكثر من القوى الأربع الأساسية، ما يجعل العودة عنها غير ممكنة، وأن أي جدول أعمال لم يوضع بعد للقاء.
هل طار إذاً موعد الخميس في بكركي؟ أكثر من سبب وداعٍ يوحي بذلك، وآخر ما يزكّي هذا الاعتقاد، الفكرة التي طرحت أمس بالاستعاضة عن الاجتماع، بلقاءين منفصلين يعقدهما سيد الصرح، واحد مع موارنة الموالاة، وآخر مع موارنة المعارضة.
إذا صحت هذه القراءة، يكون التسريب ضربة معلّم في ضرب الصرح ومشاريعه وأفكاره، تماماً كما اعتاد في محطات قانون الانتخاب وميثاق الشرف وثوابت بكركي وتسوية المتن... ولا من يتعلّم.