وفيق قانصوه
يحدّد الكرّاس التوجيهي للجيش اللبناني، أو ما يصطلح على تسميته بـ «عقيدة الجيش»، ثوابت السياسة التوجيهية التي تعتمدها المؤسسة العسكرية على الصعيدين الوطني والعسكري. ومن أبرز هذه الثوابت «العلاقة الاخوية والمميزة بين لبنان وسوريا لما يجمعهما من روابط تاريخية تنبع من الاعتبارات القومية والجغرافية والمصالح المشتركة لكلا البلدين خصوصاً في مواجهتهما للعدو الاسرائيلي»، و«تحديد الاخطار الرئيسية المحدقة بلبنان، وأبرزها الخطر الصهيوني»، و«التمسك بالسلام العادل والشامل كحل وحيد للصراع العربي ــ الاسرائيلي، والموقف اللبناني الثابت هو ان السلام لا يكون حقيقياً الا اذا شمل حلاً عادلاً لكل القضايا المرتبطة بهذا الصراع، ومنها انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا والجولان وعودة اللاجئين الفلسطينيين»، و«دعم المقاومة باعتبارها حقاً مشروعاً للبنانيين حتى زوال الاحتلال ونتائجه».
وتحت عنوان «تحديد العدو والصديق»، يشير الكرّاس الى أن تحديد العدو يشكّل اهم المرتكزات التي تقوم عليها التنشئة المعنوية للعسكريين، وكذلك التمييز بينه وبين الاصدقاء من دول وشعوب تدعم قضية لبنان»، ليؤكّد ان «اسرائيل هي عدو للبنان ينبغي التصدي له ومواجهة اعتداءاته ومخططاته وارساء رؤيـة واضحة داخل المؤسسة العسكرية بالنسبة الى المخاطر التي يمثلها العدو الاسرائيلي»، و«اعتبار اسرائيل عدواً لكل اللبنانيين وليس لفئة منهم».
وفي موازاة تحديد العدو بوضوح، «تم تحديد اصدقاء لبنان الداعمين لقضيته والذين تجمعه بهم روابط الاخوة والمصير المشترك، واواصر الصداقة. وقد حرص الجيش على تنفيذ السياسة التي اقرتها الدولة واعتبرت بموجبها سوريا الدولة الشقيقة الاقرب الى لبنان، والتي تجمعها به روابط الاخوة والتاريخ المشترك والمصالح الاستراتيجية الاساسية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وانطلاقاً من معاهدة التنسيق والصداقة التي عقدت بين لبنان وسوريا بموجب اتفاق الطائف، يحرص الجيش اللبناني على التنسيق مع اشقائه في الجيش العربي السوري بما يحقق مصلحة البلدين، ويتيح مواجهة مخططات العدو الاسرائيلي الساعي الى استفراد كل دولة على حدة».
وفي المقابل، ينص البند الثاني من المادة الثانية (الفقرة ج) في اتفاق الطائف على انه «يجري توحيد واعداد القوات المسلحة وتدريبها لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية في مواجهة العدوان الاسرائيلي»، كما تنص المادة الرابعة على «ان لبنان، الذي هو عربي الانتماء والهوية، تربطه علاقات اخوية صادقة بجميع الدول العربية، وتقوم بينه وبين سوريا علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الاخوية المشتركة، وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون بين البلدين (...) ولأن تثبيت قواعد الامن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المتميزة، فانه يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان في اي حال من الاحوال. وعليه فان لبنان لا يسمح بان يكون ممراً او مستقراً لاي قوة او دولة او تنظيم يستهدف المساس بأمنه او أمن سوريا. وان سوريا الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق ابنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته».
ويتضح، وفقاً لذلك، أن عقيدة الجيش ليست مجرّد كرّاس يضعه رئيس الجمهورية أو قائد الجيش أو مجموعة من الضباط، ولا «تقررها الحكومة على المستوى السياسي»، بحسب ما أعلن وزير الاعلام غازي العريضي أول من أمس، ولا يحدّدها مسؤول أميركي بالقول انه «لا يرى سبباً لأن يكون لبنان وإسرائيل عدوّين»، وانما هي مستقاة مما أجمع عليه اللبنانيون، أو معظمهم، وكُرّس في وثيقة الوفاق الوطني. كما أن القرار بإقامة قواعد أميركية، رفضاً أو قبولاً، شأن دستوري لا حكومي، بعدما ثُبّت في متن الدستور بألا يكون لبنان «ممراً او مستقراً لاي قوة او دولة او تنظيم يستهدف المساس بأمنه او أمن سوريا».
وهذا التطابق بين عقيدة الجيش واتفاق الطائف، يجعل المسّ بالأولى، تعديلاً أو تغييراً، خرقاً للدستور، ينضاف الى سلسلة الخروقات التي ارتكبتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بدءاً من استمرارها في العمل على رغم انسحاب وزراء طائفة كبرى منها، مروراً بتجاوزها صلاحيات رئيس الجمهورية في تولي المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها وفي دعوة الهيئات الناخبة من دون توقيعه، وصولاً الى الغاء المجلس الدستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية.