إبراهيم الأمين
تمسّك الرئيس نبيه بري بالتفاؤل في إمكان التوصل الى توافق على رئيس جديد للبنان خلال شهر من الآن، تقابله شكوك كثيرة إزاء قدرة الأطراف اللبنانية على إنتاج وضع من هذا النوع، بسبب غياب عناصر التوافق الفعلية على البرنامج السياسي المفترض أن يحكم به الرئيس المقبل والأسئلة الكبرى عن شكل وبرنامج عمل الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
ويعرض المتفائلون مؤشرات على تقدم فرصة التوافق مثل كلام وفد الترويكا الأوروبية عن «تفويض أميركي» لفرنسا للقيام بمساع جدية في الأسابيع المتبقية من أجل تحقيق التوافق، وكلام سعودي عن توافق مع إيران على توفير مناخ أفضل في الجانب المسلم، بالتوازي مع قرار الفاتيكان توفير أرضية تفاهم مسيحية ـــــ مسيحية تساعد على جعل الرئيس يخرج من بكركي هذه المرة بما يمنحه شرعية مسيحية لم يحظ بها رئيس منذ عشرين عاماً.
ويشير المتفائلون الى أن الولايات المتحدة تسعى الى منع الانفجار في لبنان الآن لأنها تخشى خسارة آخر «إنجازاتها الشرق أوسطية»، وهي تعرف أن في مقدور قوى المعارضة فرض أمر واقع مختلف عما هو قائم الآن، وأن ذلك سيؤدي الى انحسار النفوذ السياسي والمادي والأمني والشعبي لفريق 14 آذار، وأن التماسك القائم الآن في بعض مواقع فريق السلطة سيتعرّض لاهتزاز كبير، كما أن واشنطن لا ترى الوقت مناسباً لحسم الموقف في لبنان، فيما الأمور لا تزال غامضة إزاء مستقبل الأزمات المحيطة من سوريا الى فلسطين الى العراق فإيران.
كذلك يعتقد أصحاب هذا الرأي أن مصلحة الولايات المتحدة في تحقيق استقرار إضافي في العراق وفلسطين تتطلب تحقيق تسويات، ولو جزئية، مع أطراف إقليمية لها نفوذها الكبير في لبنان مثل سوريا وإيران، وهذا التوافق يتطلب تنازلات معينة ولو كان من بينها توافق انتقالي من النوع الذي يوفر الإتيان برئيس حيادي نسبياً، في مقابل معركة كبرى على الحكومة الجديدة. وثمة قناعة لدى فريق «الأكثرية»، وقسم من المسؤولين الأميركيين، بأن الأكثرية الحالية تملك القدرة على الإتيان بحكومة قوية موالية للسياسة الأميركية قادرة على تحقيق الكثير من الأمور التي قد يصعب تحقيقها في ظل فوضى وانقسام. ما يعني أن الأميركيين لا يرفضون الفكرة التي راجت قبل مدة بأن المعركة الفعلية هي على الحكومة المقبلة وليست على الرئاسة.
وبحسب قناعة المتفائلين، فإن الهروب من التوافق الآن يفرض اللجوء الى خطوة من طرف واحد. وهذا يعني انتخاب رئيس لا يحظى بإجماع حقيقي في لبنان ويكون ضعيفاً جداً على الصعيد المسيحي، ولن يكون بمقدور الكنيسة تغطيته، كما سيفقد دعم طائفة كبيرة لها دورها المتعاظم محلياً وإقليمياً هي الطائفة الشيعية، وسيكون في مواجهة قيادات ذات حيثية جدية في أوساط الطائفة السنية. وهو أمر يفتح الباب أمام الفريق الآخر للقيام بخطوات مقابلة قد تمنع رئيس فريق 14 آذار من الحكم، كما تمنع الفريق نفسه من الإمساك بجميع مؤسسات الدولة. وهذا السبب أساسي في السعي الى خلق فرصة توافقية من النوع الذي لا يظهر فيه فريق 14 آذار خاسراً.
لكن عن أي توافق يجري الحديث؟
بداية، يكفي النظر الى الاجتماعات التي تتولى بكركي رعايتها بين الأقطاب الموارنة للتثبت من أن الكنيسة ستكون الى جانب توافق يتطلب حذفاً مسبقاً لمرشحي فريقي الموالاة والمعارضة، ما يعني حصر النقاش في لائحة من الاسماء لا تنتمي الى أي من الفريقين المتنازعين، وهي لائحة غير كبيرة. ويكشف مرجع كبير أن البعض في فريق 14 آذار يحاول تمويه الموقف، وأن مرشحاً مثل النائب روبير غانم لا يمكن اعتباره مستقلاً، بل مرشح «الصف الثاني» في فريق 14 آذار.
ويلفت مسؤول عربي بارز الى أنه سبق لمسؤول أوروبي بارز أن سأله قبل نحو شهرين عن رأيه في شخصية قائد العماد ميشال سليمان. ولما ردّ المسؤول العربي مستفسراً عن معرفة المسؤول الأوروبي بقائد الجيش اللبناني، أجابه الأخير: «لقد حدثني عنه الرئيس المصري حسني مبارك». وفي فترة لاحقة حصل نقاش حول مواقف دول عربية على صلة بالولايات المتحدة من ترشيح قائد الجيش لتولي الرئاسة بما يحفظ الاستقرار في لبنان. وتبيّن أن الجانب السعودي قليل الحماسة، وإن لم يصدر عن الرياض موقف رافض، لكن الحملة ضد تعديل الدستور من جانب فريق 14 آذار، بدت في جانب منها إجابة عن السؤال الموجّه الى السعوديين، وإلى الأميركيين أيضاً، حول الموقف من ترشيح سليمان. ورغم أن الجانب الأميركي سارع الى إعلان رفضه تعديل الدستور، ما يعني رفضه فكرة ترشيح قائد الجيش، لم يقفل الجانب المصري الباب أمام البحث. وكان القرار بترتيب اللقاء الذي عقد قبل مدة بين الرئيس مبارك والعماد سليمان، وهو اللقاء الذي ترافق مع كلام عن محاولة إضافية من جانب أقطاب في فريق «الأكثرية» لإيجاد قاعدة توافق مع قائد الجيش.
وفي هذا السياق يروي متابعون أن دعوة العشاء التي وجهها النائب وليد جنبلاط الى قائد الجيش قبل مدة، جاءت في سياق متعدد الأهداف، منها ما يتعلق بتحييد الجيش ومنع تحويل الموقف السلبي لفريق 14 آذار من ترشيح سليمان الى ورقة بيد فريق المعارضة لناحية جذب الجيش الى جانبه أكثر. وهناك هدف آخر هو «إخضاع سليمان لاختبار»، قام به جنبلاط نفسه، من خلال طرح سيل من الأسئلة على قائد الجيش عن موقفه من مسائل داخلية كثيرة، علماً بأن المقربين من قائد الجيش تحدثوا عن لقاء غلب عليه الطابع الاجتماعي، وأن سليمان سمع كلاماً لطيفاً من جنبلاط بما في ذلك شرح من الأخير بأن موقفه الرافض لتعديل الدستور مبدئي وليس موجهاً ضد قائد الجيش حصراً.
ويحظى سليمان بدعم لم يسبق أن حظي به مرشح غير مدني من قبل الكنيسة، بل إن البطريرك الماروني نصر الله صفير، الرافض تقليدياً لتعديل الدستور، أبلغ الأميركيين وقوى لبنانية بارزة بذلك، الى جانب إعلانه عدم معارضة التعديل في هذه الحالة. ثم إن سليمان ليس له خصوم من النوع الذي يحيط بغيره من المرشحين، حتى ولو كان لدى البعض الكثير من الأسئلة المتقابلة حول موقف قائد الجيش من المسائل الخلافية الكبرى.
لكن ذلك لا يكفي لكي تقبل الولايات المتحدة بقائد الجيش رئيساً، وهي تركز كل جهدها على من يأتي ببرنامج صدام مع المقاومة. وهي ليست مهمة سليمان أو غيره من المرشحين الذين يمكن تصنيفهم في خانة «التوافق».