غسان سعود
الوزّان: كان يجب محاسبة مجلس الإنماء والإعمار لا إعطاؤه مشاريع جديدة

فيما كان رئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس لا يزال يتقبل التهاني بإطلاق اسم الرئيس بشير الجميل على أحد شوارع العاصمة، باعتبارها خطوة تكرّس العيش المشترك في العاصمة وتعزّز المساواة بين مسيحيّيها ومسلميها، وجّه دعوة الى أعضاء المجلس البلدي إلى عقد جلستين طارئتين تهدفان إلى رفع مشروع قرار إلى مجلس الوزراء يسمح للمجلس البلدي والحكومة بتكليف مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ مجموعة من المشاريع، من دون المرور بالمحافظ الذي يفترض، بحسب القانون، أن يكون رئيس السلطة التنفيذية في بلدية العاصمة، الأمر الذي استنفر المعنيين باعتبار ذلك «قضماً» جديداً لصلاحيات المحافظ، ومزيداً من التهميش لمسيحيّي المدينة.
ولكن «الوقاحة» الأخيرة، على حد وصف أحد رجال الدين المسيحيين في بيروت، لم يكن نصيبها كسابقاتها، لأن غالبية أعضاء المجلس البلدي، ومن مختلف المذاهب، تصدّوا لها ومنعوا العريس من تمريرها، ما فاجأ الكثيرين وخصوصاً تيار «المستقبل» في بيروت. وقال عضو المجلس سعد الدين الوزان «إن مسعى العريس غير مبرّر بالنسبة للأعضاء المؤتمنين على مصالح المدينة وأهلها الذين يستغربون تحميل المحافظ سبب التأخير في تنفيذ المشاريع، ويلاحظون يومياً عدم التزام مجلس الإنماء والإعمار بالوقت المحدد له لتنفيذ عدد من المشاريع الحيوية أبرزها الواجهة البحرية ونفق المتحف اللذان كان يفترض أن ينتهي العمل بهما منذ أشهر». ويرى الوزان «أن الأعذار التي أعطيت لتبرير بطء المجلس لا تقارب الواقع، وكان يفترض بالمعنيين أن يدعوا إلى جلسة طارئة لمحاسبة المسبّبين لهذا التأخير، لا البحث عن وسائل جديدة لإعطائهم مشاريع جديدة»، مشدداً على «ضرورة مقاربة هذا الموضوع بعيداً عن المذهبية»، ومشيراً إلى وجود قضايا بيروتية كثيرة يفترض برئيس البلدية الاهتمام بمعالجتها «مثل استرداد ميدان الخيل من المافيا التي تسيطر عليه، وتحصيل حقوق البلدية من إيجارات الاسطبلات التي تقدر بمليارات الليرات، إضافة إلى اتخاذ القرار بقبول من بقي من البيارتة الناجحين في فوج الحرس الذين تحتاج إليهم بشدة البلدية».
وتأتي محاولة العريس الأخيرة، بعد مشكلة برزت منذ قرابة أسبوعين بينه وبين محافظ بيروت بالتكليف ناصيف قالوش والوزان، على خلفية إضاءة نفق سليم سلام، حيث حمّل الأول الثاني المسؤولية عبر الإعلام باعتباره صاحب السلطة التنفيذية. فيما رد قالوش بأن التأخير في بعض المشاريع مردّه تأخر المجلس البلدي في رصد الاموال. وعلمت «الأخبار» أن توتر العلاقة بين «الريس» والمحافظ دفع برئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري إلى استقبالهما، كلاً على حدة، والاستماع لوجهة نظر كل منهما، قبل أن يلتقيهما رئيس الحكومة فؤاد السنيورة للاتفاق على إنجاز عدد من المشاريع الإنمائية، وعلى وقف الحملات، وخصوصاً أن العريس، بحسب المتابعين، كان يتهم قالوش بتأخير إنجاز المعاملات ومحاولة شل عمل المجلس البلدي.
وتم التوافق مع السنيورة على طلب المجلس البلدي من مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ الاستملاكات، ليفاجأ المتابعون في اليوم نفسه بدعوة العريس لأعضاء المجلس إلى جلسة حاول خلالها تشريع تمرير المشاريع من دون المرور بالمحافظ والقنوات الإدارية. وعلم أن الدافعين الأساسيين لمقاطعة الأعضاء جلستي العريس، يعود إلى عدم اقتناعهم بهذا الإجراء «الأشبه بتعديل الدستور»، والخوف على «المبلغ المالي الكبير الذي تحتفظ به بلدية بيروت»، علماً بأن توقيع وزير الداخلية يجعل قرارات المجلس البلدي في بيروت نافذة رغم اعتراض المحافظ.
يذكر أن مجلس المطارنة الموارنة كان قد أثار موضوع الصلاحيات والتعيينات أكثر من مرة، لكن «استراتيجية الاستئثار»، كما يسمّيها رجل الدين المسيحي، حافظت على صلابتها، ولم تؤثر بها لا تمنيات الموارنة ولا قرارات مجلس شورى الدولة الذي دعا المجلس البلدي إلى العودة عن «اغتصاب سلطة محافظ مدينة بيروت».
ويُحصي متابع لما يجري، أن الموارنة والشيعة «خسروا خلال السنوات القليلة الماضية كل مراكز رؤساء المجموعات في البلدية. كما خسر الموارنة أكثر من عشرة مراكز، وانخفضت نسبة المسيحيين الى أقل من عشرين في المئة في هذه المؤسسة».
ويلفت قيادي مسيحي بارز في الأشرفية، الى أنه إضافة الى «اللامساواة الإدارية، يعاني البيارتة المسيحيون من تمييز إنمائي»، واصفاً «ملف المخالفات» بأنه «سميك جداً»، مقدماً أمثلة على ذلك منها: وجود ثانوية واحدة في الأشرفية، مضيّ أكثر من نصف قرن على شبكات الصرف الصحي، إصرار الحكومة على عدم تطوير مستشفى الكرنتينا مقابل بذلها كل الجهود الممكنة لتطوير مستشفى «الرئيس فريق الحريري».
اللافت في الرد على ذلك، أنه وسط مساعدي العريس من لا يتردد في إعلان علمانيته فجأة، مبدياً استغرابه من «اعتماد اللامركزية في تسيير مرافق الدولة في كل البلدات اللبنانية مقابل ممارسة نظام سياسي استبدادي في العاصمة يوضع فيه الجهاز الإداري في قبضة سلطة مركزية غير منتخبة، حيث إن النظام الإداري المعمول به حالياً يعتبر أن البيروتيين قاصرون وأن من اختاروهم انتخاباً لا يتمتعون بالكفاءة والمناقبية لتحمّل المسؤولية الإدارية»!