strong> غسان سعود
تتّجه الحكومة اليوم، في حال موافقتها على بعض البنود المدرجة في جدول أعمالها، إلى ارتكاب مخالفة قانونية وتخطٍّ فاضح للقوانين. إذ إن أحد هذه البنود كان سبب خلاف نشب أخيراً بين غالبية أعضاء المجلس البلدي وبين رئيسه عبد المنعم العريس، الذي لم يستطع خلال جلستين جمع النصاب المطلوب لاتخاذ القرار برفع مشروع قانون إلى مجلس الوزراء يتيح للمجلس بتكليف مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ مجموعة من المشاريع من دون المرور بالقنوات الإدارية المعمول بها. لكن، بدل وضع «فكرة العريس» في الدرج، فوجئت غالبية الأعضاء، كما يؤكدون، بإحالة هذا الموضوع إلى الحكومة عبر وزارة الداخلية والبلديات التي طلبت الموافقة «على تكليف مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ بعض الأشغال ضمن نطاق مدينة بيروت»، علماً أن هذا الطلب لم يرفع من البلدية إلى الوزارة كما تقتضي الأصول، ولم يوافق عليه إلا ثمانية أعضاء من أصل 24 عضواً يتألف منهم المجلس.
ويشير عضو المجلس المهندس هشام سنّو إلى أن عبارة «بعض الأشغال» الواردة في نص القانون غير محددة، وهو ما يثير الريبة،إذ إنها أشبه بـ«شيك على بياض»، مؤكداً أن النقاش في هذا الأمر، «لا يتعلق بالصلاحيات وبالحقوق المذهبية، بل ينطلق من خوف غالبية الأعضاء على هدر خزينة البلدية».
ويوضح أحد زملاء سنّو أن قرار وزارة الداخلية والبلديات «المتسرع» يهدف إلى «ضرب الحركة التصحيحية الرافضة لتفرد العريس في القرار، خصوصاً أن تجربة أهل بيروت مع مجلس الإنماء والإعمار لم تكن مشجعة، وما زالوا يعانون يومياً من بطء أعمال هذا المجلس وعدم إنجازه المشاريع بالنوعيّة المتفق عليها»، علماً أن «الإنماء والإعمار» يتجه، بحسب عضو ثالث، إلى التعاقد بالتراضي مع الشركات، أي من دون مناقصات بحيث يستفيد أكبر عدد ممكن من «مسهّلي حصوله على الصفقات المربحة». والمؤكد بحسب أكثر من عضو بلدي، هو أن تبنّي مجلس الوزراء قراراً كهذا، سيدفعهم إلى الاعتكاف. والمتعارف عليه في قانون البلديات، أن تغيّب الأعضاء عن أربع جلسات للمجلس من دون تبرير يكون بمثابة استقالة، علماً أن غالبية الأعضاء سبق أن قاطعوا جلستي المجلس
الماضيتين.
أما البند الثاني الذي يثير غضب غالبية الأعضاء، وبعضهم يرفض مجرد الجلوس مع العريس كما يقول، فينصّ على «طلب وزارة الداخلية والبلديات الموافقة على التعاقد مع المهندس في بلدية بيروت (...)»، حيث لم يقرّ هذا البند في المجلس البلدي من جهة، ومن جهة ثانية يقول أكثر من عضو بلدي إن مجلسهم سبق أن فسخ العقد مع هذا المهندس لثبوت تورطه بأكثر من فضيحة.
وهناك ثالثاً طلب «الداخلية» الموافقة على تثبيت 45 متعاقداً في بلدية بيروت (42 مهندساً وإداريان وطبيب بيطري».
ويثير هذا البند، الذي أُقر بحضور غالبية أعضاء المجلس، موجة استياء في الأوساط المسيحية خصوصاً أن هؤلاء يلتزمون خياراً سياسياً واحداً، وسبق لمجلس الخدمة المدنية، بحسب أحد المتابعين، أن رفض تثبيتهم.
وفي سياق مواز، يؤكد سنّو أن ما يحصل اليوم يهدف إلى «تضييع البوصلة للالتفاف على المخالفات القانونية التي اكتشفها بعض أعضاء المجلس البلدي وتتعلق بملفات تخص البناء، الاستملاك، التحسين العقاري، والتنظيم المدني». ويقول إن معظم هذه المخالفات مسجل بحسب الأصول في أمانة سر المجلس البلدي، ومحال إلى رئيس المجلس وأعضائه.
ومن الأمور التي تغضب أعضاء المجلس البلدي، بحسب أحد الأعضاء، تكليف المجلس مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ موقف للسيارات تحت الرصيف العريض تجاه محل «ماك دونالدز» في عين المريسة، في قرار لم يسمع به غالبية أعضاء المجلس (علم به أعضاء من المجلس السابق قبل أربع سنوات)، علماً أن الموقف المذكور سيكون ملاصقاً لمكتب النائب في كتلة «المستقبل» محمد قباني، وبالتالي، يرى العضو البلدي نفسه، «أن الغاية تبرر الوسيلة بالنسبة للعريس كما يبدو».
ووسط هذه الأجواء البيروتية الجديدة، يقول أحد المهتمين بهذا الملف إن مسعى العريس، الموحى به من السرايا الكبيرة، يهدف إلى غايتين أساسيتين: أولاً، الانتهاء من سلطة المحافظ التنفيذية، كما بات معروفاً. وثانياً والأخطر، وضع مجلس الإنماء والإعمار يده على أموال البلدية (أكثر من 130 مليون دولار) خصوصاً أن المجلس المذكور «مقصّر مالياً»، وهو يعمل بصندوق واحد، ولذا يمكنه عبر أموال البلدية تأمين السيولة الضرورية لإنجاز مشاريع تخص بيروت وغيرها من المناطق.
وكان قد سبق، بحسب المصدر نفسه، للرئيس الراحل رفيق الحريري أن اعتمد هذه الوسيلة مع مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى في مدينة بيروت منذ عام 1993، قبل أن يوقفها الرئيس سليم الحص لخوفه على أموال بلدية بيروت، علماً أن موافقة مجلس الوزراء على هذا الأمر ستشل السلطة التنفيذية كلّياً وتمنع المجلس البلدي في بيروت من مراقبة المشاريع أو الاضطلاع بدور فاعل في محاسبة المقصرين.
وينهي المصدر بالتأكيد أن الفكرة «ليست من اختراع العريس بل تأتي بناء على توصية من رئيس الحكومة، الرئيس الفعلي لمجلس الإنماء والإعمار، خصوصاً أن الموسم موسم انتخابات رئاسية، والناس مشغولون».
تجدر الإشارة إلى أن «الأخبار» اتصلت بالعريس لعرض موقفه من هذه الأمور إلا أنه رفض الحديث.