عفيف دياب
اتهام كلّ من يعارض بأنّه إمّا شيعي أو تابع للاستخبارات السورية

تشهد منطقة العرقوب في الجنوب حراكاً سياسياً هو الأبرز منذ عام 2000 إثر عودة الأحزاب إليها بعد طول غياب فرضه الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة التي تحوّلت منذ عام 1967 إلى منطلق للعمل الفدائي الفلسطيني واللبناني اليساري حيث أطلق على المنطقة اسم «فتح لاند» بعد اتفاق القاهرة الذي نظّم العلاقة الرسمية اللبنانية مع منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1969.
وبعد أن تحررت المنطقة في عام ألفين، حوّلها حزب الله إلى منطلق جديد لعملياته العسكرية ضد العدو الإسرائيلي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وقد أدخل تواجد حزب الله، الكمّي والنوعي، في العرقوب السنّي والمسيحي والدرزي، المنطقة في حياة سياسية وعسكرية لم تعهدها من قبل. فتراجع اليسار اللبناني وحزبا البعث والسوري القومي الاجتماعي عن العمل في إطار جبهة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي و«ترك» المهمة على عاتق حزب الله، كما أدى إلى تراجع حضورهم الحزبي والسياسي بعد أن «طبعوا» العرقوب بأفكارهم منذ عام 1924 يوم دخل الحزب الشيوعي اللبناني إلى المنطقة وتبعه الحزب القومي منافساً، ولاحقاً أحزاب «المد» القومي العربي والحزب التقدمي الاشتراكي الذي بدأ قبل نحو عامين بإعادة «تجميع» موالين له في الإطار التنظيمي بعد أن تغيّر نسبياً «المزاج» السياسي «العرقوبي» إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبدء تيار المستقبل بإيلاء المنطقة اهتماماً لم يزل حتى اللحظة «عاطفياً».
هذا «الاهتمام» الزائد من قوى في الأكثرية بمنطقة العرقوب لم يمرّ مرور الكرام من قبل قوى سياسية وأهلية وحزبية لها حضورها التاريخي، ووجدت في هذا الاهتمام «الأكثري» محاولات حثيثة لتغيير وجه العرقوب سياسياً واجتماعياً وحرفه عن مساره التاريخي الذي تميز به، حيث ولدت خلال الآونة الأخيرة تيارات سياسية ـــــ شعبية لمواجهة الواقع السياسي المستجد، أبرزها تيار المقاومة الذي يضم مجموعة من مقاومين كان لهم الباع الطويل في عمل «جبهة المقاومة الوطنية» وجمع من الأسرى والمعتقلين الذين كانوا في معتقلات أنصار والخيام وعتليت وعسقلان، إضافة إلى اتخاذ تيار العروبة للمقاومة والعدالة الاجتماعية موقعاً مهماً في العرقوب لأنشطته السياسية والشعبية التي بدأت تظهر أخيراً من خلال احتفالات ومهرجانات شعبية تنتقد أداء قوى الأكثرية.
ويقول متابعون لهذا الحراك الحزبي في العرقوب إن «النشاط السلمي المعارض» لقوى سياسية في الأكثرية بدأ يأخذ أبعاداً تعتبر خارج «المألوف». إذ تعمد قوى في فريق الأكثرية إلى «ممارسة سياسات التحريض المذهبي والسياسي واتهام كل من يعارضها بأنه أصبح شيعياً أو في الاستخبارات السورية». ويضيف هؤلاء: إن «سياسة التخوين المعتمدة تاريخياً في لبنان بين القوى السياسية كان العرقوب بعيداً عنها لانسجام أهله وقواه السياسية تاريخياً في المواقف الموحدة ضد إسرائيل أولاً وأخيراً، وبالتالي فإن سياسة التخوين التي دخلت إلى العرقوب أخيراً تعتبر خطيرة جداً وتهدد بانقسام أهلي عمودي وأفقي، وبالتالي يجب على الجميع وقف التحريض والملاحقات الأمنية ضد فئة تعارض سياسياً الفئة الأخرى».
حملات التحريض هذه وصلت إلى حدها الأقصى حين طلب فريق موال من تيار المقاومة تغيير اسمه حتى يمارس دوره السياسي. ويقول منسق التيار جميل ضاهر لـ«الأخبار» إن وجود هذا التيار في العرقوب سبق وجود حزب الله، وبالتالي لا يمكن لقوى في الأكثرية أن تتهمنا بالتشيّع أو بالولاء لحزب الله أو لسوريا». ويؤكد أن هدف التيار هو «إبراز ثقافة المقاومة في المنطقة والحفاظ على هويتها السياسية التاريخية، ولا يحق لأحد في العرقوب أو خارجه تزوير التاريخ والحقائق، فنحن مقاومة منذ أن ولدنا».
هذا التأكيد على «خيار» المقاومة في العرقوب وبروز قوى سياسية محلية معترضة ومعارضة أقلقت قوى في الأكثرية التي أطلقت سلسلة اتهامات ضد هذه القوى بأن الأخيرة تعمل على تحويل العرقوب إلى «بارد» جديد وتخزين الأسلحة أو أخذها من مخازن حزب الله الموجودة في المنطقة قبل عدوان تموز 2006. ومن «الخبريات» أيضاً إقدام الاستخبارات السورية على تزويد بعض «المعارضين» بأسلحة وتدريبهم لمواجهة قوات اليونيفيل بدعم غير مباشر من حزب الله.
وفي هذا الإطار، يقول ابن منطقة العرقوب النائب قاسم هاشم إن المنطقة «تاريخياً معروفة بمقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، والمقاومة ليست جديدة أو طارئة على المنطقة وأهلها، وبالتالي فإن كل الخبريات التي تتهم قوى المعارضة في العرقوب بالعمالة لسوريا أو لحزب الله هي مجرد اتهامات باطلة، هدفها عزل العرقوب عن محيطه وتغيير الوجه السياسي للمنطقة وتزوير تاريخها الطويل في المقاومة». ودعا هاشم «الأجهزة الأمنية الرسمية إلى القيام بواجبها وعملها والتحقق من ادّعاءات قوى الأكثرية»، نافياً ما يحكى عن وجود «تدريبات» لمسلحين في العرقوب أو حتى «عمليات تسليح». وقال لـ«الأخبار» إن اتهامات قوى الموالاة هي لـ«حرف الأنظار عما تفعله في العرقوب وتمارسه من تحريض مذهبي وتأطير مجموعات سنية تحت عباءة دار الفتوى أو غيرها من قوى سياسية»، موضحاً أن «العرقوب ليس لفئة ضد أخرى، وحرية العمل السياسي يجب أن تبقى مصونة ولا يحق لأحد إلغاء الآخر».