البقاع ــ رامح حمية
ما إن يطل فصل الخريف، حتى تبدأ استعدادات أهالي القرى والبلدات البقاعية، بالتحضير لتأمين المستلزمات الضرورية واللازمة لهذا الشهر من «مونة» ومدارس وملابس ومازوت، وذلك ابتداء من أول أيلول وحتى نهايته.
إلا أن هذه السنة، اختلفت عن سابقاتها، إذ فقد أيلول عبق «الكشك» و«الكبيس»، والسبب في ذلك أن النسوة البقاعيات أنهين «مونتهن» للشتاء المقبل قبل بدء أيلول وذلك بالنظر ـــــ وبحسب رأيهن ـــــ إلى «الظروف المستجدة والطارئة هذا العام لناحية الحياة السياسية في لبنان». فمنهن من نسبت إقبالها على إنهاء المونة باكراً، بتخوفٍ مما ستؤول إليه الأمور عند الاستحقاق الرئاسي، ومنهن من اعتبرتها «حركة استباقية» لأحاديث الحرب القادمة من جهة، وللتهرب من التراكمات المالية التي يتطلبها هذا الشهر من مدارس وملابس ومازوت من جهة أخرى! في حين أن البعض الآخر رأى أن شهر رمضان الكريم له الدور الأساس في تقديم موعد تحضير المونة الشتوية.
ومونة البقاعيين متنوعة وغنية. فهي تبدأ من الحبوب على أنواعها، و«الكشك» و«مكدوس» الباذنجان، ورب البندورة و«القاورما»، مروراً بالمربيات (تين، مشمس..) و«الكبيس» (مقتى، خيار..)، وصولاً إلى توضيب بعض أنواع الخضر في الثلاجات (الأرضي شوكي، لوبياء، بازيلاء) وتجفيف الفاكهة (تين، عنب، زبيب، لوز، جوز..)..
وبحسب هذه الأنواع المتعددة، فإن المونة الغذائية الشتوية تتطلب جهداً كبيراً لإنجازها، بالإضافة إلى مبالغ مالية كبيرة، تكون عبئاً على كاهل المواطن اللبناني، الذي يرزح تحت نير أزمة معيشية خانقة وأخرى سياسية!.
«الأخبار» جالت على بعض النسوة اللواتي عبّرن عن الأسباب التي دفعت بهن إلى الإبكار في تحضير المونة الغذائية. الحاجة عزيزة حمية ربطت بين مونتها من جهة والأوضاع السياسية الراهنة في لبنان من جهة ثانية. وأشارت إلى تخوفٍ كبيرٍ لدى الناس مما ستؤول إليه الأمور عند الاستحقاق الرئاسي، وقالت: «المواطن دائماً كبش المحرقة في الأزمات السياسية في بلدنا لناحية تأثره بها، سواء اقتصادياً أو اجتماعياً»!. وفاخرت حمية «بأنها أنجزت كل المتطلبات الغذائية الشتوية قبل انتخاب الرئيس وتأليف الحكومة والمصاعب التي من الممكن أن تترتب خلال تلك الفترة»!.
أما فهمية عساف فرأت: «أن المتطلبات كثيرة خلال شهر أيلول (مدارس ـــــ مونة ـــــ مازوت ـــــ شهر رمضان الكريم) ما يرتّب مبالغ كبيرة تكون عبئاً على زوجها، ولذلك كان السعي لإنهاء القسم المتعلق بالمونة». وأضافت عساف: «إن الحياة الاقتصادية المعيشية باتت مقرونة بالسياسة وحتى بالسياسة الإقليمية»، وتابعت: «تخيّل إنو الكشكات معلّقين بالسياسة الإقليمية، هيدا آخر زمن»!!
وبدورها أوضحت السيدة نلا السحمراني، من خلال استعراض بعض الأسعار لبعض مستلزمات المونة البيتية، مدى الاستغلال الذي يتعرض له المواطن من قبل التجار والبائعين أثناء فترة المونة. وأشارت، وهي ترتب مؤونتها في غرفة خاصة، إلى أن سعر لبن الماعز الخاص بالكشك ارتفع في منتصف شهر آب من 4000 ليرة إلى 6000 ليرة، والباذنجان خاص «المكدوس» من 200 ليرة للكيلو إلى 1000 ليرة، في حين أن البندورة خاص رب البندورة ارتفعت من 5000 ليرة للصندوق الذي يحوي 20 كيلو إلى 1500 ليرة للكيلو فقط. وقالت: «المواطن على استعداد لإنجاز مونته خلال حزيران أو تموز مقابل الهروب من هذه الأسعار»!.
أسباب الإبكار بالمونة الشتوية لهذه السنة تنوعت، لكنها تقاطعت جميعها عند معالم الأزمة الحقيقية التي يعيشها المواطن اللبناني... وعند تلك الهواجس التي تكتنفه صبح مساء عن مستقبل بلده السياسي والاقتصادي والمعيشي.