راس اسطا ــ جوانّا عازار
«لأنّ قدموس من أهمّ ثلاثة رجال في العالم بعد السيّد المسيح وآينشتاين» حسبما يقول الشاعر سعيد عقل، أنشأ جوزيف يونس (من بلدة تنّورين الشماليّة) قرية استثنائيّة هي «قرية قدموس» في بلدة راس اسطا قضاء جبيل. الفكرة هي حلم عمره 20 سنة، بدأ يونس بالعمل عليه منذ ثماني سنوات واستطاع تحقيقه هو المتعلّق بأرضه والمتأثّر كثيراً بالفينيقيّين وبالملك الفينيقي قدموس الذي «أعطى لبنان والأجيال ما يبقى لآلاف السنين».
بنى يونس قريته في أرض خاصّة في وسط بلاد جبيل وشرّع أبوابها للجميع «فالأرض هي ملك العالم لا ملك خاصّ». على بعد عشرة كيلومترات من مدينة جبيل ونحو 40 كيلومتراً من العاصمة بيروت، تقع قرية قدموس في بلدة راس اسطا قضاء جبيل، على طريق عام عنّايا، وتعلو عن سطح البحر 600 متر.
قرية قدموس حسبما يعرّفها يونس «مثاليّة نموذجيّة لعشّاق الطبيعة والهواء النقيّ والبيئة السليمة». فالقرية فيها عدد كبير من الأشجار اذ تحتوي على 11 ألف شجرة من السنديان والملّول وغيرها، 1000 عريشة، 500 زيتونة، 108 أشجار خرّوب اضافة الى عدد من الأشجار المثمرة.
ويقول يونس إنّ المناخ سليم وخال من سموم العصر، وهو بشهادة متخصّصين من أفضل الأماكن للعلاج من الربو والأمراض التنفسيّة بفضل الهواء النظيف الذي يتحلّى به. وتمثّل قرية قدموس للبيئة والسياحة والتراث «عودة الى الجذور» وتبقى أهدافها «توفير مساحة صحيّة لروّاد الطبيعة، حيث حفيف الأشجار يحاكي خرير المياه، وحيث تشيع الطبيعة الطمأنينة والسكون والسلام الداخلي».
القرية التي تزيّن مدخلها سفينة وعليها أحرف من الأبجديّة رمزاً إلى الفينيقيّين، تقسّم الى عدّة أقسام أنشئ الكثير منها ويبقى البعض الآخر قيد الانشاء. بعد المدخل، يقع مطعم «ربعة ايل» وهو مطعم فينيقي الشكل يتّسع لنحو 250 ضيفاً، يقدّم الأكل القروي والخضر والفواكه العضويّة، وهي جميعها من انتاج قرية قدموس. أمّا بيت المونة الذي يقع على مدخل القرية فهو محاذ للطريق العام وفيه نتاج القرية ومختلف القرى اللبنانيّة من الزراعات العضوية الموسميّة ومنها البندورة، البقدونس، اللوبية... اضافة الى المونة البلديّة من الكشك، الزعتر، السمّاق... فضلاً عن خيم مصنوعة من القصب والسنديان داخل القرية يمكن العائلات أن تقيم فيها ليوم واحد أو أكثر، وهي محاطة بالمزروعات العضويّة والأشجار والزهور.
ويقام في القرية أيضاً معرض سنوي لمدّة 40 يوماً، وهو معرض للرسم والنحت، ويمثّل أيضاً ملتقى للمثقّفين وأهل الشعر والنثر والفكر. وفي القرية أيضاً صخور طبيعيّة، يمكن الفنانين والنحاتين أن يضفوا عليها المزيد من الجمال، وقد سبق ليونس، وهو هاوي نحت، أن نحت وجه قدموس وأحرفاً من الأبجديّة والسفينة الفينيقيّة.
القرية التي تمتدّ على عشرات آلاف الأمتار، تحتوي على مدرّجات تتزيّن بالأشجار وتؤلّف مساحة من الغطاء الأخضر يمكن الزوّار أن يجلسوا فيها ويتمتّعوا بالمناظر الطبيعيّة، اضافة الى حديقة ألعاب للأطفال ضمن المدرّجات. وبما أنّ العنوان العريض للقرية هو «العودة الى الجذور» فإنّ فيها ممرّات لروّاد الطبيعة والبيئة، يمكن أن يجتازوها سيراً على الأقدام أو بالاستعانة بالحمير والبغال. ويجري العمل أيضاً على إنشاء مكان مخصّص يجمع الحيوانات والطيور الأليفة. تفتح القرية أبوابها من شهر نيسان حتّى شهر تشرين الأوّل لاستقبال الضيوف، فيما يفتح «مطعم ايل» أبوابه على مدار السنة ويستضيف في فصل الشتاء الندوات الفكريّة والثقافيّة، لأنّ الهدف ليس فقط الأكل فالمشروع وجهته ثقافيّة وبيئيّة وحضاريّة. وفيما يعمل اليوم على انشاء لجنة خاصّة بالقرية، يستهجن يونس عدم اهتمام وزارتي البيئة والسياحة بهذا الموقع، وهو يمدّ يده اليها ويناشدها تبنّي المشروع لإعطائه حقّه، خاصّة أنّ الهدف منه يبقى العودة الى الجذور، مذكّراً بكلام الشاعر سعيد عقل «سوف نبقى، يشاء أم لا يشاء الغير، فاصمد لبنان... ما بك وهن. سوف نبقى، لا بدّ في الأرض من حقّ، وما من حقّ ولم نبق نحن».