عرفات حجازي
لم تُحدث زيارة وزيري خارجية فرنسا وإسبانيا إلى بيروت أي تقدم أو اختراق في مسار الأزمة اللبنانية العالقة عند عقدتي الرئاسة وحكومة الوحدة الوطنية، وإن كانا قد نجحا في خلق حالة حوارية غير مباشرة بين أطراف النزاع، على أمل إيجاد آلية للمتابعة تنهي حالة انعدام الثقة وتؤسس لجولة لقاءات جديدة على قاعدة أفكار استقاها الوزيران من خلال نقاشات معمّقة، أجرياها مع الرئيس نبيه بري وتمّ تبنّيها كمسودّة حل لأنها راعت الهواجس، والمطلوب لدى الفريقين وقدّمت ضمانات متوازنة لكل استحقاق على حدة، سواء ما يتعلق بحكومة الوحدة الوطنية أو الاستحقاق الرئاسي.
لكنّ جولة المفاوضات التي أجراها الوزيران مع فريق الأكثرية كشفت عن استمرار سياسة العناد والمكابرة ورفض البحث في حكومة وحدة وطنية إذا لم يجر ربطها بالاستحقاق الرئاسي، لأن إعطاء المعارضة ورقة الحكومة بثلث ضامن سيشجعها على تعطيل التوافق على رئاسة الجمهورية، بحيث تملأ حكومة الثلث المعطّل الفراغ الرئاسي وتكون البديل عن رئيس جديد للجمهورية.
وقد عبّر رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عن موقف الأكثرية بدون أي التباس، برفضه فكرة الثلث المعطل التي تطرحها المعارضة كحد أدنى في معادلة إقامة حكومة وحدة وطنية، وهو ما يتقاطع مع ما يردّده السفير الأميركي جيفري فيلتمان من أنه ليس مقبولاً أن تعطي الأكثرية للمعارضة الثلث المعطل، إلاّ في إطار صفقة تشمل الموضوع الرئاسي.
وذهب فريق الغالبية في مواقفه خطوات الى الوراء، مستحضراً الصيغة القديمة التي كان النقاش قد تخطّاها سواء مع الأمين العام لجامعة العربية عمرو موسى، أو مع السفير السعودي عبد العزيز خوجة، وتتمثّل بتأليف حكومة على قاعدة 19 ــ 10 ــ 1، وهذا ما أعاد البحث في السبل الممكنة لتوليد تسوية منصفة الى نقطة الصفر، التي كانت فيها منذ مطلع عام 2006، الأمر الذي دفع بالوزيرين الفرنسي والإسباني إلى تقديم النصح لأقطاب الأكثرية بضرورة الخروج من دائرة التصلّب والمواقف الجامدة والانفتاح على المرونة التي أبداها الرئيس بري، متجاوزاً الكثير من الاعتبارات، وطارحاً ضمانات تمثّل إطاراً مقبولاً للحوار، وطالباً من هذا الفريق أن يتقدم بأفكار قابلة للنقاش، وأن فرنسا وإسبانيا جاهزتان للمساعدة على تقريب وجهات النظر، والسعي مع الدول المؤثرة في الملف اللبناني لإيجاد معادلة إقليمية تؤمّن سقفاً ضامناً لأي تسوية يمكن أن يتوصل إليها الفرقاء
اللبنانيون.
وبدا واضحاً للوزيرين من خلال حواراتهما مع الطرفين أن معركة الرئاسة هي بيت القصيد، وأن التمسك بالورقة الحكومية هو فقط من أجل استخدامها في معركة الرئاسة، فمن يكسب معركة الحكومة يعزز موقعه في الاستحقاق الرئاسي، الذي يعتبره الفريقان نهاية مرحلة انتقالية ونقطة بداية لمرحلة جديدة.
من هنا حرص الأكثرية على الاحتفاظ بمكاسبها وعدم التفريط بالأوراق التي تمتلكها وخصوصاً ورقة الحكومة إذا لم تضمن موضوع الرئاسة، وحرص المعارضة على التمسك بحكومة الوحدة الوطنية تحسباً لأي فراغ رئاسي.
وبين تمسك الأكثرية بالحكومة الحالية وعدم التفريط بها قبل التفاهم على موضوع الرئاسة، ورفض المعارضة لمبدأ التلازم بين الملفين الرئاسي والحكومي والإصرار على التعاطي معهما كملفين منفصلين يكون البحث السياسي قد عاد مجدداً إلى المربع الأول، وتكون المبادرة الفرنسية على وشك السقوط والتعثر كما جرى مع المبادرة
العربية.
ومما زاد في تعقيدات الوضع أن المناقشات التي أجراها كوشنير في القاهرة مع نظيريه المصري والسعودي والأمين العام للجامعة العربية لم تسفر عن رؤية مشتركة للحل ولم تبلور خريطة طريق موحدة للمبادرتين العربية والفرنسية، كما أن محادثات موراتينوس في العاصمة السورية لم تأت بجديد، والانطباع الذي كوّنه الوزيران عن لقاءاتهما العربية بأن أفق التسوية ليس مفتوحاً لأسباب تتعدى خلافات اللبنانيين التي تبدأ بمصير سلاح المقاومة ولا تنتهي بعقدتي الحكومة والرئاسة بل تتصل بالنظرة الى موقع لبنان ودوره وفي أي محور سيكون.
وجاءت الرزمة الأميركية المقترحة من مبيعات الأسلحة لدول عربية بمليارات الدولارات للوقوف في وجه سوريا وإيران وحزب الله لتضيف عناصر جديدة من التأزيم إلى الملف اللبناني، وخصوصاً أن هذا الحدث تقاطع مع الاجتماع العاصف لوزراء الخارجية العرب، وانسحاب سوريا من الاجتماع احتجاجاً على تأييد المؤتمر الدولي للسلام الذي دعا اليه بوش، ما جعل مهمة عمرو موسى تصطدم مجدداً بالعجز العربي، ومهمة كوشنير بالرغبة الأميركية في الاحتفاظ بمفاتيح الحل وتوقيته، وربما لهذه الأسباب مجتمعة اعترف رئيس الدبلوماسية الفرنسية بأن لبنان بلد معقّد ويتعرض لتأثيرات خارجية وبات واحدة من أصعب المشاكل في
العالم.