أنطوان سعد
وسط الاحتفالات بالانتصار التي يقوم بها كل من «التيار الوطني الحر» وحلفائه ووسائل إعلامه من جهة، والرئيس أمين الجميل وحلفائه ووسائل إعلامه من جهة أخرى ــ وقد يكون في الواقع ثمة ما يحتفل به من وجهة نظر كل منهما ــ أجرت أوساط فاعلة في المؤسسات المارونية تقويماً للانتخابات الفرعية التي جرت الأحد الماضي ولنتائجها السياسية وتداعياتها المرتقبة، وتوصلت إلى اقتناع بأن الرأي العام المسيحي هو المستفيد والناجح الأول في هذا الاستحقاق.
وباستثناء اللحظة التي دعا فيها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مناصريه مع نواب التكتل إلى التجمهر في ساحة سراي الجديدة لمواجهة ما اعتبره خطر إلغاء احتساب أحد صناديق الانتخاب، وما تبعها من ردود فعل خصوصاً على مستوى المقابلة بحشود من مناصري حزب «القوات اللبنانية» والكتائب اللبنانية، تميزت العملية الانتخابية نسبياً بمعالم الانتخابات الديموقراطية على وجه الإجمال.
وبحسب هذه الأوساط، لم يكن من شأن أي نتيجة أخرى أن تؤمّن للرأي العام المسيحي المكتسبات التالية مجتمعة. إذ من شأن أي اختلاف جذري عنها أن يسقط بعض هذه المكتسبات بنتيجة انهيار التوازنات القائمة والتي من المصلحة العليا أن يتم الحفاظ عليها في ظل سيادة منطق أحادية القطب في كل من الطوائف اللبنانية غير المسيحية باستثناء حزب الطاشناق ذي الحضور القوي داخل الطائفة الأرمنية. أما هذه المكتسبات فهي:
1ــ عدم خسارة العماد عون كأبرز رمز مسيحي في المعارضة للحكومة التي تُجمع القوى المسيحية على أنها غير متوازنة على الإطلاق والتي يعارض قسم كبير منها طريقة تعاطيها مع مسألة التوازن في الإدارات العامة وسياسة الإنماء المتفاوت في المناطق إضافة إلى عدد من قراراتها المعروفة المأخوذة في الآونة الأخيرة.
2ــ حصول الرئيس الجميل على نسبة كبيرة من الأصوات والفارق الضئيل جداً بينه وبين النائب المنتخب كميل الخوري، نزع من العماد عون ورقة التفرد بالتمثيل المسيحي وأعاد الأمور إلى نصابها وطبيعتها لجهة التعددية السياسية لدى القوى المسيحية. فاستعاد موقع الصدارة في التمثيل السياسي لكن لم يعد له الحق في عدم أخذ القوى المسيحية الأخرى بالاعتبار. وبذلك تعتبر الأوساط المارونية أن حظوظ حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها ارتفعت، ولو قليلاً، لأن الجنرال لا يستطيع القول إنه الممثل الوحيد للمسيحيين فإما ينتخب وإما مقاطعته لجلسة الانتخاب مبررة.
3ــ التوازن السياسي الدقيق بين القوى المسيحية الموالية والمعارضة الذي تمخضت عنه انتخابات المتن الشمالي، سيجعل كل منهما يطلب المزيد من الدعم والمكتسبات من حليفه ليعزز موقعه داخل القواعد الشعبية المسيحية التي أكدت مرة جديدة أن ليس من طرف بإمكانه التحكم بخياراتها ومزاجها.
وترى هذه الأوساط أن في إمكان هذا الأمر أن يعيد بعض الحقوق التي تبدّدت خلال مرحلة الهيمنة السورية واستمرت بفعل «التحالف الرباعي» بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، وبخاصة على مستوى قانون الانتخاب وتحقيق اللامركزية وتعزيز سيادة الدولة وحصر السلاح بالقوى الشرعية ونزع الجنسية اللبنانية ممن لا يستحقها من الذين حصلوا عليها من خلال المرسوم الصادر عام 1994 بموجب قرار مجلس شورى الدولة الذي يفترض أن تنفذه وزارة الداخلية دون إبطاء.
4ــ إلزام كل القيادات المسيحية من الآن وصاعداً بتقديم أفضل ما لديها في كل دائرة انتخابية وإن لم يكن في صفوفها من يتمتع بالمواصفات العالية المطلوبة، فلتتم الاستعانة بشخصيات من خارج الإطار الحزبي. فلو رشح الجنرال شخصية معروفة متمتعة بحيز من الحضور على المستوى السياسي لكانت النتيجة أفضل، ولما كان رئيس التكتل مضطراً إلى أن يضع كل رصيده في الميزان. وفي المقابل، لو ترشح أحد غير الرئيس أمين الجميل لكانت النتيجة كارثية والفارق بين الأصوات شاسع جداً.
5ــ إن التصويت الأرمني أعطى درساً مزدوجاً: للمسيحيين غير الأرمن أظهر لهم أهمية التضامن في التأثير على مجريات الأحداث واحتلال موقع بارز في قلب المعادلة بغض النظر عن العدد، كما هي الحال مع الدروز الذي لا يشكلون سوى نحو ثلاثة في المئة من عدد اللبنانيين فيما يتمتعون بتمثيل نيابي ووزاري مهمين وتأثير سياسي كبير جداً. في المقابل، على القوى السياسية الأرمنية ألا تبالغ في إظهار تمايزها عن المزاج المسيحي العام وأن تبدي المزيد من التناغم معه.