strong>بمناسبة مرور أربعين عاماً على حرب الأيام الستة، عقد معهد بروكينغز جلسة نقاش حول التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط، شارك فيها: بروس ريدل، الحائز رتبة الزمالة في مركز سابان. وروبرت مالي الذي يشغل حالياً منصب مدير الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية ومارتن إنديك الذي يعمل مديراً لمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز. ننشر اليوم مداخلة بروس ريدل، وفي حلقة الغد مداخلتَيْ مالي وأنديك
يتمتّع الشرق الأوسط بتاريخ طويل من شهور الصيف الساخنة، التي كان صيف عام 1967، كما الصيف الأخير، واحداً من أكثرها سخونة. لكن ما أودّ أن أحدّثكم عنه اليوم هو أنّه يوجد بُعد جديد للمشكلة في الشرق الأوسط، وللمشكلة الدائرة في الشرق بوجه خاص، وهو بُعد لم يسبق أن رأيناه سابقاً، وأعتقد بأنه لا يزال في مراحله التكوينية الأولى. وأنا أعتقد بأنه إذا لم يتم وقف تطوره، فسوف تكون شهور الصيف الطويلة والساخنة التي شهدناها أكثر طولاً وسخونة.
إن البُعد الجديد الذي نشهده الآن في كل من لبنان وغزّة هو تطور الحركات المتعاطفة مع تنظيم القاعدة، والتي سأطلق عليها الحركات «الطامحة»، وهي الجماعات المتعاطفة مع أيديولوجيا القاعدة، والتي لديها نظرة خاصة إلى هذا العالم، وتشارك تنظيم القاعدة في إحساسه بالغضب من الغرب الصليبي، ومن إسرائيل الصهيونية، وتسعى إلى إيجاد نموذج عدمي في المنطقة من أجل تهيئة الأوضاع لبناء خلافة متعصبة في المستقبل.
يوجد في الواقع حركات تطمح إلى «التشبّه» بالقاعدة، كما يقال في العامّية الأميركية. وهي لم تتمكّن بعد من نيل العضوية الكاملة في تنظيم القاعدة العالمي، ولكنها تطمح إلى الانضمام إلى المنظمة. وهي تريد أن تكون فروعاً مستقبلية لهذه المنظمة، كما أن القاعدة في العراق فرع لتنظيم القاعدة العالمي.
ربما يجدر بي تخصيص دقيقة أو دقيقتين لكي أصف رؤيتي لطريقة تنظيم خلايا القاعدة اليوم. يعدّ تنظيم القاعدة منظمة وحركة عقائدية في آن واحد. وهو يعمل في حيّز حقيقي في عالم الإنترنت. فأنت لست بحاجة إلى اختيار هذا الوجه من المنظمة أو ذاك، لأنهما موجودان في الوقت نفسه.
يعمل تنظيم القاعدة التقليدي، وأعني نواة القاعدة، في تلال أفغانستان وباكستان، ويتألف من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والعصابة القديمة نفسها التي أسهمت في هجمات 11 أيلول. ومن هناك، استطاع إيجاد فروع له في عدة مناطق. فهناك فرع في السعودية، وهناك فرع في العراق، وهو الأكثر بروزاً. ويمكن لفروع جديدة أن تنضمّ إلى النواة. ويمكنها تقديم طلبات للانضمام. يبدأ الأمر بسلسلة من جلسات التفاوض الطويلة، ثم تعلن نواة القاعدة أنك نجحت في نيل عضوية التنظيم.
في اعتقادي، إنّ ما نشاهده اليوم في كل من لبنان وغزّة هو بدايات ظهور حركات طامحة إلى أن تكون جزءاً من تنظيم القاعدة. لكن هذا الميل لا يزال في المرحلة التكوينية، ومن غير المعروف قدرة هذه المجموعات على التطور. وهي بالتأكيد ليست جزءاً من المنظمات الأكثر استقراراً في المنطقة مثل حزب الله، وحماس، وفتح، وغيرها.
في هذه المرحلة، يبدو أنها قادرة على القيام بأعمال إرهابية وأعمال عنف صغيرة الحجم. غير أنّ مرحلتها المستقبليّة هي التي ينبغي أن تثير قلقنا أكثر.
الناحية الأخرى من نواحي تطوّر هذه الجماعات الجديدة الطامحة هي أنها تبدو في هذه المرحلة على علاقة بفرع القاعدة في العراق، أكثر منها بنواة القاعدة في الجبال الباكستانية الأفغانية. وهذا ليس بالأمر المفاجئ. ففرع القاعدة في العراق أقرب من الناحية الجغرافية والعديد من النواحي الأخرى إلى الشرق. لكن الأهم من ذلك أن فرع القاعدة في العراق، خلال مرحلة تطوره، أصدر قراراً مدروساً قضى ببناء بنية تحتية لدعم التنظيم في العالم العربي، وفي الشرق الأوسط، وفي مجتمعات الشتات الإسلامية في أوروبا لدعم عملياتها في العراق. تشكل هذه المجتمعات من الناحية العملية طريقاً سريعاً لكي يأتي الشهداء من الخارج، وكذلك تشكل مكاناً للأشخاص الذين لا يطلبون الشهادة بل العودة إلى الديار من أجل تقديم خبراتهم، ومن أجل المال، ومن أجل التسلّح، ومن أجل اكتساب الخبرة.
قدّرت وحدة مكافحة الإرهاب في السنة الفائتة بأنّ امتدادات البنية التحتية للقاعدة في العراق وصلت إلى أكثر من 50 بلداً، من بينها لبنان، وغزّة، والأردن، وسوريا. وليس مفاجئاً أن يكون تنظيم القاعدة في العراق الرمز الذي تطمح هذه الجماعات الجديدة إلى التشبه به أكثر من غيره لأن لدى هذا التنظيم وفرة في المال. فاستناداً إلى تقارير حديثة أعتقد بأنها جديرة بالثقة، يحصل تنظيم القاعدة في العراق في الوقت الحالي على الكثير من الأموال من المتبرّعين الأغنياء في دول الخليج، ومن قبض أموال الفدى لقاء إطلاق سراح العراقيين المخطوفين داخل العراق، ناهيك بأن لديه مخزوناً من هذه الأموال، أي أنه يوجد لديه أكثر مما يحتاج إليه لتمويل عملياته الخاصة. وهو يرسل المال حالياً إلى نواة القاعدة في باكستان، ويستخدم المال الفائض في دعم تطوير القاعدة في الشرق.
أنتقل إلى الشأن اللبناني للتحدث عن فتح الإسلام، وهي المنظمة التي لم تبرز على مسرح الأحداث سوى في الأسابيع القليلة الماضية. يبدو أن هذه الجماعة شديدة الشبه بتنظيم القاعدة على نموذج الزرقاوي في العراق. فزعيم هذه المنظمة، ويدعى شاكر العبسي، كان يحظى برعاية أبي مصعب الزرقاوي، وقد عملا معاً في الأردن في مطلع هذا القرن، وأُدين إلى جانب الزرقاوي بقتل الموظف فولي (Foley)، الذي كان يعمل في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الأردن سنة 2002.
تشكل طرابلس والمخيمات المحيطة بها مكاناً طبيعياً لنشاط هذه المنظمة. فمدينة طرابلس تتمتع بتاريخ طويل من النشاط الجهادي السنّي، وكانت، لفترة معينة في الثمانينيات، أشبه بدويلة سنّية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، ولا تزال بمثابة نقطة انطلاق للأشخاص القادمين من مختلف الدول إلى العراق منذ بداية الحرب في ذلك البلد. وهناك العديد من الأشخاص الذين يؤكدون أن لسوريا علاقة بما يحدث. وأنا لا أشك في وجود مثل هذه العلاقة على الأرجح. لكن لا يوجد سبب يمنع منظمة مثل هذه، تطمح لأن تكون مثل القاعدة، من تلقّي الدعم من أية جهة توفره.
دعا أسامة بن لادن، الأكثر شهرة، قبل خمسة أسابيع من الغزو الأميركي للعراق، الشعبَ العراقي إلى البدء ببناء نموذج للقاعدة في العراق. في ذلك الوقت، قال إنه يمكن التعامل مع البعثيين، وإنه يمكننا العمل مع أي كان، ما دام لدينا مصلحة مشتركة في قتال الصليبيين.
في اعتقادي أن هدف فتح الإسلام من هذا الصراع بسيط، وهو إعادة إشعال الحرب الأهلية في لبنان وتدمير الدولة اللبنانية، فالدولة الفاشلة توفر بالضبط البيئة التي ينشدها تنظيم القاعدة لأنها البيئة التي تجعله أكثر قدرة على النمو.
تعلم الدول البوليسية في الشرق الأوسط تمام العلم ماذا عليها أن تفعل لكي تتعامل مع القاعدة. انظروا إلى المملكة العربية السعودية، وانظروا إلى مصر، وانظروا إلى الأردن. إنها الدول الفاشلة التي نما فيها تنظيم القاعدة بشكل مذهل. ولذلك، لا يوجد لدى فتح الإسلام مصلحة في تسوية هذا الصراع، ولكن تكمن مصلحتها فقط في تأجيجه.
يتمتّع قطاع غزّة بتاريخ أطول في التعامل مع أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري وأبي مصعب الزرقاوي، وهم الأشخاص الذين يُعَدّون من بين أكثر الجهات الداعمة لحماس على امتداد سنين طويلة. فهم يرون في حماس منظمة شديدة الشبه بمنظمتهم، إذ هي منظمة جهادية، وسنّية، وتستخدم كل التقنيات التي تستخدمها منظمتهم.
كان لدى الشيخ ياسين قبل أحداث 11 أيلول، عندما كان حياً، أشياء جميلة يقولها عن تنظيم القاعدة. وكان ينأى بـ«حماس» دائماً عنه، ولكنه لم يشجب أعماله أبداً. يوجد شبه معيّن في وجهات نظر المنظّمتين وأهدافهما. فنحن نعرف على سبيل المثال بأنه كانت هناك ارتباطات عملانية بين «حماس» وخلايا «القاعدة» في سيناء سنة 2005، وهي ارتباطات قادت، عندما كشفت أمرها الاستخبارات المصرية، عمر سليمان إلى إطلاق تحذير مهم ومؤثر جداً لقيادة حماس في غزّة.
من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه الارتباطات لا تزال قائمة. لكن من الواضح أن نواة القاعدة عبّرت عن خيبة أملها من حماس في الشهور الثمانية عشر الأخيرة. فبعدما قررت حماس المشاركة في العملية السياسية، والأهم من ذلك، الموافقة على اتفاق مكة مع فتح، رأى تنظيم القاعدة أنها آخذة في الانحراف عن الطريق الجهادي الخالص، وسلوك مسارات السياسة والانتهازية الخطرة.
ما من قضية استحوذت على التصريحات الأخيرة لتنظيم القاعدة مثل خروج حماس من الصراع الجهادي العالمي. فقد بات أيمن الظواهري يتحدث عن ذلك في خطبه اللاذعة التي يلقيها كل شهر. ولكنه يعبّر عن ذلك بالغضب أكثر مما يعبّر عنه بالحزن، لأن حماس هي الفرع الذي يعشقه تنظيم القاعدة أكثر من غيره، ويكره أن يخسره.
يبدو أن ما نشهده في الوقت الحالي هو تطور مسار بديل. وهنا نشهد أيضاً ظاهرة منظمة تطمح إلى محاكاة القاعدة ويبدو أنها آخذة في التطور في غزة، وهذه هي المجموعة الصغيرة التي يبدو أنها هي التي احتجزت المراسل البريطاني ألان جونستون في غزّة، والتي تطالب مقابل إطلاق سراحه بإطلاق سراح زميل في تنظيم القاعدة، هو أبو قتادة المحتجَز في المملكة المتحدة. ويبدو أن هذه المجموعة ليست أكثر من تشكيلة من قطّاع الطرق الذين جمعتهم الولاءات العشائرية. ولكن ذلك لا يجرّدك من الأهلية لأن تصبح أحد الطامحين للانضمام إلى تنظيم القاعدة. ففي النهاية، كان أبو مصعب الزرقاوي قاطع طريق عندما بدأ مساره التنظيمي. وكذلك لست بحاجة إلى التمييز، في حالة تنظيم القاعدة، بين قاطع الطريق والمؤمن. ففي مقدورك أن تجمع بين الصفتين في وقت واحد.
وهنا أيضاً نؤكد أن هذه منظمة صغيرة يبدو أن لديها ارتباطات قوية أيضاً بتنظيم القاعدة في العراق، لكن آفاق نموها مفتوحة، وخصوصاً مع تدهور الأوضاع في غزّة التي ربما تتحول، كما قال أبو مازن اليوم، إلى ساحة حرب أهلية شاملة بين فتح وحماس. وفي تلك الحالة، سيكون القطاع مثالاً آخر على دولة فاشلة في حوض البحر المتوسط يجد فيها تنظيم القاعدة فرصة للازدهار والنمو.
ستشكل هذه المنظمة على المدى البعيد خطراً على حماس أكثر من أية منظمة أخرى. فبما أن حماس تتجه أكثر نحو المشاركة السياسية والقبول باتفاقات السلام السابقة، سيقول الطامحون إلى التمثّل بالقاعدة في أقصى الطيف، «لقد تخلّيتم عن الكفاح»، وسيسعون إلى استقطاب العناصر المنشقة عن حماس، والتي يرجح أن تكون غالبيتهم من المنتمين إلى الجناح العسكري للحركة، وإغرائهم بالانضمام إليهم.
ومن ناحية أخرى، إذا حافظت حماس على التزامها الراسخ دعم الجهاد، فسوف تلقى تشجيعاً من هذه العناصر الطامحة إلى التشبّه بالقاعدة على المثابرة على ذلك وعلى القيام بمزيد من أعمال العنف.
الخلاصة في كلتا الحالتين هي أننا نشهد ظاهرة تطوّر منظّمات لم نشهدها في الماضي. ولا يزال هذا التطوّر في مراحله الأولى. لكن في حال سُمح له بالنمو، فسوف يتسبّب بفصول صيف ساخن وطويل بحيث تبدو الفصول السابقة باردة عند مقارنتها بها.




المصدر
معهد بروكينغز
(5 حزيران 2007)

العنوان الأصلي
A Long, Hot Summer: What The Lebanon and Gaza Crises Mean For U.S Policy in the Middle
East

المشاركون في النقاش: بروس ريدل، روبرت مالي، ومارتن إنديك