أنطوان سعد
بات في حكم المتعارف عليه بين الأطراف اللبنانية، أن الوصول إلى انتخابات رئاسية طبيعية لا تحمل في طيّاتها ألغاماً موقوتة أو بذور تفجير، يمر حصراً عبر أحد طريقين: حصول توافق بين الكتلة الشيعية من جهة والتحالف السني ـــــ الدرزي من جهة ثانية، أو تبلور توافق مسيحي، قد لا يكون بالضرورة عاماً، برعاية البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير على ترشيح شخصية تتمتع بقدرات عدة، في مقدّمها تحقيق حوار وجسر عبور بين الطوائف، تعيد نسج علاقات ثقة في ما بينها. أما الترجمة العملية لكليهما، فلن تكون إلا في إطار جلسة انتخاب رئاسية يُنتخب فيها الرئيس العتيد للجمهورية من الدورة الأولى، أي بحصوله على أصوات أكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب.
من غير أحد هذين الطريقين، لا يمكن تصور حصول عملية انتخابية تفضي إلى استقرار ولو مرحلياً. فكما أن نصف الطبقة السياسية، ومن ورائها نصف الشعب اللبناني، يقاطع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، فسيقاطع النصف الآخر، الذي هو المعارضة، رئيساً ليس له رأي في اختياره. وبذلك يُدخل السياسيون والقوى الإقليمية التي تدعمهم البلاد في نفق مظلم لست سنوات جديدة. أما نجاح كل من الخطين فمرتبط بعوامل خارجية أبرزها:
ـــــ تحقيق اتفاق سعودي ـــــ إيراني، لا تكون سوريا بعيدة عن أجوائه وعن مفاعيله، على حد أدنى معين يحفظ مصالح الدول الثلاث، ويرعى الاتفاق بين حلفائها في لبنان على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية. وتعتقد أوساط مراقبة أن هذا الاتفاق متعذر ما دامت الولايات المتحدة وحلفاؤها، في الشرقين الأوسط والأدنى، يظنون أن ثمة فرصة حقيقية لا تزال سانحة لتنفيذ ما بقي من بنود القرار الدولي رقم 1559، والانتهاء من سلاح «حزب الله» وسلاح التنظيمات الفلسطينية الرافضة للصلح مع إسرائيل ولمفاعيله. ولا بد من الإشارة إلى أن نجاح هذا الخط يزيد من فرص إحياء «التحالف الرباعي» الذي كان قائماً طوال فترة الهيمنة السورية، واتخذ شكله الواضح إبان الانتخابات النيابية التي جرت سنة 2005 بعد انسحاب القوات السورية من لبنان.
ـــــ دخول الكرسي الرسولي على خط وساطة بكركي ودعمه، والتدخل في اللحظة الحاسمة لحمل عبء اقتراح اسم مرشح توافقي يتمتع بصدقية لدى الرأي العام المسيحي وبقدرة حوارية، وفي الوقت نفسه يكون مقبولاً من الجهتين المتنازعتين في لبنان، أو على الأقل لا اعتراض قاطعاً عليه من إحداهما. وتكشف مصادر مطلعة عن أن الخارجية الأميركية تلح على الفاتيكان للقيام بهذا الدور، فيما تشدد الدوائر الدبلوماسية الفاتيكانية من جهتها على وقوفها خلف البطريرك الماروني، واستعدادها لمؤازرته في الوقت الذي يطلب فيه منها ذلك. وتضيف هذه المصادر أنه عندما تدق ساعة الحقيقة، ويلوح شبح الفراغ الرئاسي، مصحوباً بذكرى الأحداث الأليمة التي حصلت نتيجة عدم إجراء انتخابات رئاسية سنة 1988، سيجد سيد بكركي ضرورة للتدخل بقوة حتى لا يتكرر المشهد نفسه. ذلك أن لا أحد بإمكانه أن يتكهن بما يمكن أن يؤدي إليه فراغ رئاسي آخر من تداعيات على مستوى الحضور المسيحي في لبنان، وبالتالي في الشرقين الأدنى والأوسط برمّتهما. وعندما يبلغ دور البطريركية المارونية حد التعاطي بالأسماء، بعد قيامها بتهيئة المناخ الملائم في مختلف الأوساط المسيحية السياسية وغير السياسية، يأتي دور الفاتيكان لأخذ الدور الصعب عن بكركي، التي تفضل عدم تسمية مرشح والدخول في خصومة مع سائر المرشحين، كما حصل سنة 1988 مع مبادرة الأسماء الخمسة التي طلبتها الخارجية الأميركية ورجل الأعمال آنذاك رفيق الحريري من البطريرك صفير في روما، في الثاني من تشرين الثاني من ذلك العام. «إذ لا مفر لبكركي هذه المرة من التدخل، وللفاتيكان من مساندتها لإنجاح عملية انتقال السلطة إلى رئيس جديد للجمهورية»، وفق هذه المصادر.
وتعتقد مصادر مطلعة أخرى أن الكرسي الرسولي استعجل مجيء القائم بالأعمال الجديد في السفارة البابوية في لبنان، الذي سيصل نهاية الأسبوع الجاري آتياً من العراق. وتوضح أن الدوائر الدبلوماسية الفاتيكانية أوعزت إليه بأن يأتي في أسرع وقت، كي يتسنى له الاستعداد الكافي والتعرف عن كثب على الواقع اللبناني، قبل أن يحين وقت إطلاق المبادرة الفاتيكانية التي تنتظر من دون أن أدنى شك إشارة البدء من
بكركي.