ثائر غندور
أحبّا بعضهما بعضاً، ففرّقهما الدين. قصة تتكرّر منذ وقت طويل، لكن الطرفين في كلّ مرّة يستحقان الحديث عن تجربتهما علّها تفيد!

محمد هو اسمه الأول. رين هو اسمها الأول. هما ليسا معروفين لدى الكثيرين ممن يقرأون هذه السطور، لأنّهما ليسا من رجال السياسة أو فناني الفضائيات. حاول محمد أن يكون متري لسبب بسيط: «من أجل إرضاء أم رين».
من هي رين؟ هي صبية لبنانية، تدرس في معهد الفنون الجميلة ـــــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية. اسمها الحقيقي ليس رين، لكنه قريب من هذا الاسم، فضّل محمد أن لا نستخدمه لأنه لم يطلب إذنها في نشر هذه القصة.
التقى طالب الطب في جامعة البلمند محمد قبيسي برين، في أحد مقاهي شارع الحمرا. «التقت عيوننا والتمعت عندما كنت أعمل «شوفير صينية». هكذا يختصر بداية علاقتهما. دعاها إلى الرقص، فوافقت. رقصا طوال الليل. استمتعا ببعضهما إلى حدّ الذوبان. انتهت السهرة وذهب كل واحد في حال سبيله، لكنه حصل على رقم هاتفها.
اليوم هي لا تُجيب على اتصالاته، لذا قرّر الحديث معها عبر الورق. استمرّت العلاقة لأشهر، ومرّت في مراحل عدة كأي علاقة طبيعية. فجأة ظهر عامل جديد. فمنذ أن ولد محمد، وُضعت كلمة «مسلم شيعي» على خانة الدين في سجلّاته الرسمية (التي ما زالت موجودة حتى اليوم رغم حذفها من بطاقة الهوية)، أما هي فأرثوذكسية. إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً لو كنّا في مجتمع طبيعي. وتجاوزت رين هذه العقبة إلى حين تعرّف محمد إلى والدتها. دخل إلى المنزل وحيّا الوالدة، وعرّف عن نفسه: «محمّد». لمح الاستغراب في عيني الوالدة، لكن لم يُعره أي اهتمام. في اليوم التالي، أخبرته رين أنّ الوالدة قالت عنه إنه شاب لطيف وجيّد «لكنّه مسلم». وهذه المرّة الثانية التي تتكرّر فيها هذه الحالة في منزلهم. فقد أحبّت أختها في وقت سابق شاباً مسلماً، وتقدّم ليطلبها، لكن أهلها رفضوا، ثم تزوّجت شاباً أرثوذكسياً...
لم يؤدّ عدم رضى الوالدة إلى قطع العلاقة، إلى أن أتى الأخ الأكبر من السعودية. رآهما يتمشيّان معاً، فلم يرقه المشهد. فمنع أخته من الخروج من المنزل، وهدّدها بالضرب. هنا بدأت المشاكل.
قرّر محمّد أن يغيّر دينه، من مسلم إلى أرثوذكسي. هو لا يهتم لديانته، ولذلك لا مشكلة في أن يصبح أرثوذكسياً، إذا كان الأمر يؤدي إلى دفع الأهل إلى قبول العلاقة. بدأ في البحث عن الكنائس الأرثوذكسية، واختار «متري» اسماً للعمادة. زار أول رجل دين، الذي حسم الموقف: «هذا طيش شباب يا إبني... فكّر بالموضوع ومنحكي بعدين». لم يحصل حديث ثانٍ. زار رجلاً آخر، وافق على تعميده شرط أن يحضر دروساً دينية عدّة، فوافق على هذا الشرط، لكنّه لم يستطع الموافقة على الثاني: «تغيير المذهب على سجلات النفوس». هذا الأمر سيحرمه الميراث، وهو غير مستعد لهذه المغامرة.
هنا يُستفّز محمّد. هو أحبّ رين. لم يسأل نفسه بداية عن دينها. لم يتوقّع هذا الرفض، رغم تجربة أخيه سابقاً مع فتاة مارونية، أحبّها لكنّ العلاقة انهارت لهذا السبب أيضاً.
لم يتعلّم من التجربة. «أريد أن أعيش كإنسان»، يقول بصوت مرتفع، ويضيف: «أنا لا أتحشّر بالمتديّنين. لا أمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية والزواج في مؤسساتهم. لهم الحرية في القيام بأي شيء. لماذا يريدون منعي ومنع غيري من حقوقنا في الحياة الكريمة التي شرّعتها شرعة حقوق الإنسان».
اليوم رين، لا تُجيب على اتصالات محمد. يقترح أصدقاؤه الكثير من الحلول. لا تنفع. فـ«لبنان الحرية والعيش المشترك والمحبة والإيمان... لا يسمح لي بالحياة على ذوقي».