إبراهيم الأمين
هل تعود إسرائيل لتشن حرباً جديدة على لبنان في وقت قريب؟
قد يبدو السؤال مستغرباً وسط الانشغال اللبناني العام بالانتخابات الرئاسية غير المؤكدة الحصول. لكن إشارات كثيرة برزت في الاسابيع القليلة الماضية، تدفع الى الاعتقاد بأن ما يجري العمل عليه في إسرائيل يتجاوز عملية استيعاب صدمة لبنان المفتوحة، بل هو يلامس حدود الاستعداد لعملية رد اعتبار شاملة، من النوع الذي يحقق تصفية للحساب مع لبنان ومقاومته من جهة، ويفرض وقائع جديدة في لبنان وفلسطين والمنطقة، ما يعني أن إسرائيل التي ذاقت الأمرّين هنا، لا يمكنها معاودة الكرة دون توفير أقصى ما يمكن توفيره من مستلزمات المعركة المقبلة. والاستنتاج البديهي هو: أن المعركة آتية لا محال!.
بعض المتابعين والمعنيين بالوضع الاسرائيلي يتحدثون عن مصاعب تقليدية تواجه الجيش الاسرائيلي. وهي تتطلب وقتاً لا بأس به لناحية التجاوز وبناء واقع جديد يتيح للجيش الادعاء أنه جاهز لمعركة فاصلة. ويرى هؤلاء أن الدروس المفتوحة من حرب لبنان الثانية لم تهضم بعد. وهناك جهود نظرية وسياسية وعقائدية ونفسية ولوجستية تقوم بها كل الأوساط المعنية في إسرائيل بغية التوصل الى خلاصات تبني على أساسها الخطط المنطقية والعملية التي توفر لها فرصة الدخول في الحرب ولو على اعتقاد بأن النتيجة ستكون في مصلحتها، وهو الامر الاصعب، لأنه لم يعد هناك في تل أبيب، من السياسيين أو الأمنيين أو العسكريين، من يجرؤ بعد الآن على استسهال الحرب شمالاً. حتى الكلام الفوقي عن سوريا وعن جيشها بات الآن من عوارض الضعف، وهو ما دفع بخبراء وقادة إسرائيليين الى التحذير مراراً من منطق الاستخفاف بقدرات العدو، ما يفرض على إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار أن المواجهة المقبلة قد لا تكون على الارجح محصورة في الجبهة اللبنانية ومع حزب الله وحده. والتطورات الجارية في المنطقة العربية كما في فلسطين نفسها تفرض على إسرائيل التعامل بحذر شديد، لأنه لا يوجد من يضمن لها قدرتها على حصر المواجهة في ساحة واحدة، ومن الجهة الثانية لم يعد في لبنان من يقتنع بأن المقاومة القوية فيه خلقت لعمل كربلائي من النوع الذي يؤدي الى الشهادة، وبالتالي فإن ملامح الهزيمة التي أصابت إسرائيل، يمكن تطويرها لتكون نكبة كبرى تشبه ما حل بالفلسطينيين والعرب قبل نحو ستين سنة.
المنطق السياسي ونظام المصالح الكبرى يقول بأن من غير المنطقي أن تقبل إسرائيل أو أن تعود على وجود عدو لها ينمو بالقرب منها، ولا يتوقف عن توفير كل مستلزمات عيشه وتطوره وقدرته على المواجهة هجوماً أو دفاعاً. فكيف الحال وإسرائيل تعرف أن مرض المقاومة عند العرب مرض يحمل عدواه فيه، وأن الأمر لا يقتصر على تعاطف أو تضامن أو انبهار ما دامت هناك فرصة للأخذ بمقاومة لبنان نموذجاً قابلاً للتطبيق في أمكنة أخرى. وهذه التجربة الفلسطينية أظهرت أن هناك إمكانية حقيقية، برغم كل أشكال القتل والحصار والدمار والقتل، لبناء قاعدة متينة تتيح لأي مقاومة هناك أن تؤسس نفسها لمرحلة أكثر تطوراً، كما أن منسوب المعنويات عند القوى القادرة على لعب دور في كل الدول العربية المجاوة قد ارتفع بشكل وأخر.. ألم تقل إسرائيل ومعها أجهزة المخابرات في الدول الغربية كلها إن سوريا تتصرف بطريقة مختلفة بعد انتصار المقاومة في لبنان؟
عملياً، فإن الذي حصل على صعيد الجهوزية لدى المعنيين، مؤشر إضافي على النتائج بعيدة المدى للحرب الاخيرة. فالمقاومة في لبنان باتت أكثر تسليحاً، ونمت قدراتها البشرية بشكل يفوق كل تصور. ومن يقف الى جانبها أدرك البعد التاريخي لا الاستراتيجي لدورها، فما كان منه إلا أن فتح أبواب الدعم على مصاريعها. والخبرة الطويلة أتاحت إيصال كل ما يجب إيصاله وإلى حيث يجب أن يتموضع أو يخزن. والعالم المفتوح بعضه على بعض أتاح أيضاً الحصول على التقنيات المطلوبة لمواجهة أعنف وأقسى حرب استخبارية يتشارك فيها الاسرائيلي مع الأميركي والأوروبي ومع دول عربية كبرى ومع جهات لبنانية بوجه المقاومة. حتى بات الوصول الى السيد حسن نصر الله مثلاً مهمة عالمية. وهدف قتله بات أمراً ملحاً مهما كانت الأثمان. كما أن المناورات التي تقوم بها وحدات النخبة في جيش العدو على أعمال خطف وقتل وتصفيات تعكس الهاجس الفعلي لدى القيادة الاسرائيلية التي لا ترى بديلاً الآن من الانتقام سوى بتوجيه ضربات من النوع الذي تعتقد أنه يصيب صورة المقاومة قبل جسمها. ومع أن السيد نصر الله أسهب في الكلام عما يملك الحزب من قدرات صاروخية مستخدماً إياها في حملة ردع للعدو، فإن في إسرائيل من لم يعد يريد أن يسمع هذا الكلام، ليس لأنه يغيظه في مكان ما، بل لشعوره بأن الجمهور في إسرائيل بات أمام خيارين: إما الأخذ بهذا الكلام وبالتالي العمل لشن حرب أخيرة تنهي هذا الخطر، وإما العمل لتقديم الأثمان التي تجنّب إسرائيل ويلات لا يمكن لأحد تصورها منذ الآن. كذلك هي الحال عند المقاومة في فلسطين، التي تعيد بناء قدراتها بطريقة لافتة تمكنها من خوض مواجهات أعنف مع العدو إذا ما نشبت المواجهة الكبرى. أما في الجوار، فإن الجيش السوري لا يتصرف وكأنه لا شيء يحصل من حوله، وربما يكون الآن أكثر الجيوش العربية استفادة من تجربة المقاومة في لبنان، وهو يعلم أن أمامه الوقت القليل لإنجاز الأساس الذي تتطلبه مواجهة قاسية محتملة مع إسرائيل، وهي حرب قد تتوسع لتشمل قوى أخرى في المنطقة، أو من القوى العالمية الموجودة في المنطقة.
لكن كل ذلك لا يكفي، والمهم في لبنان مثلاً العمل بقوة على الجبهة الداخلية، وإذا كانت مصلحة المقاومة في قيام استقرار جدي على مستوى الدولة ومؤسساتها وعلى مستوى الحوار السياسي، فإن برودة الأعصاب التي تتصرف بها كما هي حال قوى أساسية في المعارضة، تواجه خصماً لم يجد عنده من بديل سوى تفجير الجبهة الداخلية وجعلها عبئاً يضطر المقاومة الى التصرف بحذر إزاء أي أمر يخصها، وهو جهد يتقاطع بقوة مع جهود آخرين في العالم العربي وفي أميركا كما في إسرائيل لجعل الجبهة الداخلية اللبنانية اليد الاخرى التي سوف تصفق مع أي عدوان إسرائيلي جديد. وهذا يعني ببساطة أن المقاومة التي تجنّبت طويلاً الوحل الداخلي بغية الحفاظ على هوامشها، باتت بعد حرب تموز الماضية مضطرة للأخذ بالاعتبار أن دورها في بناء جبهة داخلية متماسكة هو من صلب العمل لحفظ قوة المقاومة وتطويرها. وعلى هذا الأساس يمكن فهم خلفية ما يصرخ به وليد جنبلاط وسمير جعجع!.