إبراهيم الأمين
ينفي الرئيس نبيه بري أن يكون السفير الأميركي جيفري فيلتمان قد أجابه عن أسئلته الآنفة حول موقف الولايات المتحدة من النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أو من احتمال اللجوء الى تعديل للدستور أو من فكرة الضغط على فريق 14 آذار للسير برئيس توافقي على أساس الثلثين. وبدل أن يفسّر بري اللاجواب الاميركي بعرض ما سمعه من فيلتمان، يتحدث عن اتصالات مستمرة مع آخرين، وهو يشير الى أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أوفد السفير جان كلود كوسران الى واشنطن للتباحث في الأمر، وحمّله ايضاً سلة من الاسئلة. ويبدو أن الجانب الفرنسي ينتظر الآن اجوبة اميركية قبل أن ينطلق كوسران في مهمة مكوكية تشمل إيران وسوريا ومصر والسعودية، قبل العودة الى لبنان برفقة وزيره.
وإذا كان بري يفتح الابواب من جديد، فهو سيعمد في خطابه اليوم الى تكثيف أفكاره بشأن مبادرة إنقاذية، وهو لن ينتظر في هذه اللحظة أجوبة أو ردود فعل من القوى الداخلية، ومع أن النائب وليد جنبلاط نجح في استدراجه قبل وقت لحفلة ردود على كلام شخصي، وصلت حد نفي الرئيس بري خبر اجتماعه بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فإن بري يفترض أن يكون هذه المرة جاهزاً لعدم الرد على ردود فعل سوف تأتيه من جنبلاط ومن سمير جعجع وربما من تيار «المستقبل» نفسه، وخصوصاً أن فريق 14 آذار لا يجد غير التصعيد وسيلة لحفظ تماسكه، ولمواجهة عوارض الانقسام حول ملف الرئاسة وما يتصل به من أمور مصيرية، وبالتالي فإن بري سوف يجد نفسه أمام واقع جديد يتطلب منه التقدم خطوة الى الامام باتجاه لعب الدور التنسيقي أو التوفيقي، وفي هذا السياق يطالب تيار «المستقبل» على وجه التحديد بأن يعطي بري إشارة عملية على رغبته في لعب هذا الدور من خلال كسر قراره مقاطعة قيادات التيار، ولا سيما الرئيس فؤاد السنيورة، علماً بأن بري ازداد غضباً من الاخير بعد الجلسة الاخيرة للحكومة، إذ إن رئيس المجلس كان يفترض أن المشاورات التي أجراها وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ مع الرئيس السنيورة بشأن ملف التعيينات في وزارة الخارجية سوف تؤدي الى توافق يترجم في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، وهو الامر الذي لم يحصل وأتت النتائج مخالفة تماماً لكل التوقعات، ودفعت بالرئيس بري الى القول ساخراً: يريدون السير بكل ما هو مخالف للدستور.
الامر الآخر الذي سوف يكون محور متابعة من رئيس المجلس هو البرنامج الاميركي لتضييع الوقت، ولمحاولة نقل البلبلة الى فريق المعارضة. وآخر البدع كانت نسب دبلوماسيين أميركيين موقفاً لرئيس المجلس يقول فيه إنه ليس مؤيداً ولا مقتنعاً بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وإنه يرفض نهائياً القيام بأي ردة فعل من جانب رئيس الجمهورية أو من جانب قوى المعارضة على أي خطوة من جانب فريق 14 آذار، وانه مستعد للسير بمرشح آخر غير عون.
ومع ان بري تعرض هذه الايام لموجة اخرى من هذا الكلام وإن من جهات اخرى، فهو يعمل دون توقف على تطويق هذه المحاولات، وقبل ايام اختلى وزير الخارجية الفرنسي بعدد من الصحافيين على هامش اللقاء السنوي لسفراء فرنسا. ولما سألوه عن الوضع في لبنان قال ان الامور سوداوية للغاية وكوسران عاد أكثر تشاؤماً. فقيل له: وما السبب؟ فأجاب كوشنير بأن هناك محاولات تعرضت للافشال. وعند التدقيق معه اجاب: كنا نسير في مشروع اتفاق مع الرئيس بري ويقضي بأن تتخلى المعارضة عن مبدأ التزامن بين تأليف الحكومة والانتخابات الرئاسية مقابل ضمانة بتأليف حكومة بعد اتفاق على اسم الرئيس المقبل. ولكن بري أخفق في انتزاع موافقة المعارضة، قبل أن يكمل كوشنير هجومه على سوريا. واثر ذلك حصلت اتصالات مع كوشنير من خلال اصدقاء مشتركين قبل التوصل الى حل بطيّ الملف.
في مقابل ذلك يبدو بري كما فريق المعارضة اقرب الى مناقشة الخيارات البديلة في ضوء ما توافر من معلومات كثيرة عن نية فريق 14 آذار السير بمشروع انتخاب رئيس من صفوفه ووفق نصاب النصف +1 وخارج لبنان. وقد كرر جنبلاط قوله هذا مرات أمام عدد من السياسيين والاعلاميين خلال الايام القليلة الماضية فيما كانت مستشارة النائب سعد الحريري الزميلة امال مدللي تجري اتصالات في واشنطن وفي نيويورك قال دبلوماسيون في الأمم المتحدة إنها تركز على احتمال اللجوء الى هذه الخطوة. علماً بأن المفكر الاستراتيجي في هذا الفريق يقول إن الامر ممكن من خلال اجراء هذه الانتخابات في اطار تنفيذ القرار 1559 وان يتولى ناظر القرار هذا تيري رود لارسن الامر لناحية توفير التغطية القانونية التي تتيح اجراء مثل هذه الانتخابات في الامم المتحدة بوصفها الجهة الدولية الداعية الى تطبيق القرار المذكور في بنده الخاص بإجراء انتخابات رئاسية شرعية ودستورية على اعتبار ان القرار نفسه يرى في التمديد للرئيس اميل لحود خطوة مخالفة للدستور وللشرعية الدولية. يضاف الى ذلك الهاجس الامني حيث يعمل على فكرة ان اجتماع نواب الاكثرية في بيروت يشكل خطراً كبيراً على حياتهم وليس هناك جهاز امني داخلي او خارجي يجزم بقدرته على حماية اجتماع كهذا.
وبين هذه المساعي واللاموقف الاميركي الرسمي، وجدت المعارضة نفسها مضطرة للبحث في الخيارات البديلة، وعقدت في الايام القليلة الماضية سلسلة اجتماعات لأبرز قادة المعارضة جرى خلالها البحث في أفكار وخيارات مقترحة من هذا الفريق أو ذاك، وتشمل اموراً كثيرة بينها قيام حكومة ثانية أو مخالفة مقابلة للدستور من خلال انتخاب رئيس بمن حضر من النواب، أو اللجوء الى مقاطعة شاملة مترافقة مع حركة احتجاجات مفتوحة وقاسية تستهدف منع وصول الرئيس المنتخب من فريق 14 آذار الى القصر الجمهوري، وتعطيل عمل بقية الادارات الرسمية الواقعة تحت سيطرة فريق 14 آذار. ويبدو أنها المرة الاولى التي تظهر فيها المعارضة استعداداً للتخلي عن تحفظات من النوع الذي كان يلجم كل تحركاتها، وهي ترمي مسبقاً بكرة النار في حضن الآخرين باعتبارهم المسؤول الاول والأخير عن المصير الذي تتجه إليه البلاد.