البدّاوي ــ عبد الكافي الصمد نهر البارد ــ نزيه الصديق
صيدا ــ خالد الغربي

عــودة الاشتبـاكات العـنيفة وسقوط 3 جرحى في صفوف الجيش

يضجّ مخيم البدّاوي منذ أيّام، بمقيميه ونازحيه، بأخبار وشائعات وروايات متعددة حول ما يجري في مخيّم نهر البارد من اشتباكات ومعارك لا تزال مستمرة منذ 20 أيّار الماضي بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة «فتح الإسلام»، وكلها تشير إلى أنّ انتهاء الأزمة لن يكون على الأرجح قريباً، وأنّ عودة النّازحين إلى بيوتهم لن تتمّ في الفترة الوجيزة المقبلة، ما قد يطيل أمد الأزمة على الأرجح، أيّاماً وأسابيع.. إن لم يكن شهوراً!
ويلفت مسؤول فلسطيني مطلع، نزح من مخيّم نهر البارد أخيراً، إلى أنّ الذين دخلوا على خط المساعي والمبادرات للتفاوض مع مسؤولي الحركة، كانوا «يصطدمون دائماً بتمسّك هؤلاء بمواقفهم التي كانت لا تقبل النقاش أو الجدال»، مشيراً إلى أنّه عندما بدأت الاتصالات قبل اندلاع الاشتباكات وبعده، كان يطرح على مسؤولي الحركة إمكانية ترحيل المسلحين العرب الموجودين في صفوفها، وإعادتهم إلى بلادهم، فكان الردّ أنّ «هؤلاء خرجوا من بلادهم بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، فكيف آخذ منهم الأموال وأقول لهم عودوا إلى بلادكم، وماذا سيكون موقفي يوم القيامة أمام الله عز وجل إذا فعلت ذلك!».
هذا الموقف العقائدي والديني «المتشدّد» من قبل مسؤولي حركة «فتح الإسلام» وعناصرها، الذي أكدته أغلبية الذين التقوهم وفاوضوهم منذ ظهور حركتهم إلى العلن أواخر شهر تشرين الأول من عام 2006، يدلّل عليه فشل كلّ المساعي والجهود التي بُذلت من أجل إقناعهم بتسليم المطلوبين أو حتى الجرحى منهم للسلطات اللبنانية، لأنهم يعتبرون حسب المسؤول الفلسطيني أنّ «استشهاده وذهابه إلى الجنّة، أفضل من تسليمه إلى حكومة عميلة للكفّار!».
لكن هذا «الانغلاق الذي يجعل هؤلاء الأشخاص أشبه ما يكونوا بـ«صبّة باطون»، حسب المسؤول الفلسطيني نفسه، والذي لا يقتصر على المسلحين الموجودين في مخيّم نهر البارد فقط، بل يتعداه إلى ما شوهد ولُمست آثاره في الاشتباكات التي دارت بين الجيش اللبناني ومسلحين تابعين للحركة خارجه، وخصوصاً في شارع المئتين ومحلّتيْ الزاهرية وأبي سمرا في طرابلس، وفي خراج بلدات القلمون وددّة وقلحات، يعطي انطباعاً بمدى امتداد وتغلغل مسلحي الحركة والموالين لها والمتعاطفين معها ومؤيّديها في أكثر من منطقة لبنانية.
وما يدلّ على ذلك هو المعلومات التي جرى تناولها على نطاق ضيّق وتتعلّق بما يجري في محيط مخيّم نهر البارد، حيث أُشير إلى اشتباك لم يُعلن، وقع بين مجموعة مسلحة وعناصر من الجيش اللبناني في منطقة بحيرات وبرك عيون السمك المطلة على المخيّم من ناحيته الشرقية، من غير أن يُعرف عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال ذلك الاشتباك.
ويؤكد هذا الاشتباك ما تردّد كثيراً في الآونة الأخيرة عن أنّ مسلحين موالين للحركة يعملون على التسلّل أو الدخول إلى المخيّم، عبر سلوك مجرى نهر البارد، الذي تعتبر منطقة عيون السمك مجراه الطبيعي قبل أن يصبّ على بعد كيلومترات معدودة في البحر، عند التخوم الجنوبية للمخيّم، حيث تدور أشدّ الاشتباكات منذ أيّام عدّة.
وما ساهم في ترسيخ هذه الانطباعات أكثر، ليس ضيق مجرى النهر الذي تنتشر الأشجار الحرجية والقصب بكثافة ملحوظة حوله، ولا ابتعاد البيوت السكنية عنه، باستثناء تلك الواقعة على ضفافه مباشرة عند مصبه عند مخيّم نهر البارد، بل عمليات التمشيط الدائمة التي يقوم بها الجيش اللبناني لمجرى النهر، والتي يستعين فيها أحياناً بالطوّافات العسكرية، وإن كان ذلك ليلاً، عدا ما أفيد به من أنّ السدّ المائي الموجود في منطقة عيون السمك، على بعد نحو 5 كيلومترات من المخيّم، قد فتحت منافذه السفلى في الأيام الأخيرة من أجل تدفق المياه بصورة أغزر في مجراه.. وصولاً إلى البحر!
وما يثير المخاوف أكثر في هذا المجال، هو إمكانية خروج أو دخول المسلحين إلى المخيّم من طريق البحر، وهي إمكانية ليست مستحيلة حسب ما أوضح محاربون قدامى في مخيّم البدّاوي، عندما أشاروا إلى أنّ «زوارقنا المحمّلة بالعناصر والسلاح كانت تدخل إلى بيروت عام 1982 في عزّ حصار الجيش الإسرائيلي لها»، ولعلّ ذلك ما يفسر، وإن بصورة غير مباشرة، مراقبة قوّات «اليونيفيل» للشاطىء اللبناني منذ بداية الاشتباكات، والتوجّه الذي يُقال إنّ الحكومة اللبنانية تزمع العمل عليه مستقبلاً، وهو «إبعاد أيّ مخيّم فلسطيني عن طول الشاطىء اللبناني!».
على الصعيد العسكري، وبعدما كان أول من أمس هو اليوم الأكثر هدوءاً بعد مرور شهر ونصف شهر على اندلاع الاشتباكات في مخيّم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومسلحي حركة فتح الإسلام، شهدت الليلة قبل الماضية وطوال يوم أمس تصعيداً ملحوظاً، ما جعل المراقبين يعتبرون أن فترة الهدوء السابقة لم تكن أكثر من استراحة محارب.
وفي مقابل الاشتباكات العنيفة التي شهدها المخيم في الليلة قبل الماضية عند المحورين الشرقي والجنوبي، دارت ظهر أمس معارك ضارية استمرت نحو ساعتين ونصف ساعة، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة، وتركزت قرب موقع مبنى الصاعقة سابقاً، وفي محيط موقع خالد عارف في حي صفوري، الذي شهد معارك ضارية جداً، بعدما حاول مسلحون التسلل من مواقعهم في اتجاه مواقع الجيش.
وبعد فترة هدوء نسبي، تجددت الاشتباكات بعد الظهر في محيط موقع مبنى الصاعقة، ما دفع الجيش اللبناني إلى الرد بشكل كثيف ومركّز على مراكز إطلاق النار، مستهدفاًَ إياها بقصف مدفعي مركّز، وذلك في محاولة لإيقاف وشلّ حركة عناصر «فتح الإسلام»، الذين ظهروا بكثافة خلال هذه المعركة عند هذا المحور، وكانوا يقومون بإطلاق النار على الجيش من بنادق القناصة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود بجروح، من غير أن يُعرف حجم الخسائر في صفوفهم، بعد القصف العنيف للجيش اللبناني الذي استهدف مواقعهم ونقاط تحركهم على محاور المخيم القديم.
وأشارت معلومات إلى أن الاشتباكات كانت تدور في محيط مباني التعاونية ومركز ناجي العلي الطبي ومدارس الأونروا، وفي حي سعسع الفوقاني وحي صفوري، وفي حي المهجرين الواقع على تخوم المخيمين القديم والجديد، حيث تُستعمل الأسلحة المتوسطة والرشاشة كافة.
وأشار متحدث عسكري إلى أن هناك «تحركات على الأرض، ونحن نستولي على مبان ومواقع، وننظفها من الألغام والمتفجرات والعبوات المفخخة التي تركها وراءهم المسلحون».
من جهته، أكد عضو «رابطة علماء فلسطين» الشيخ محمد الحاج، الذي جرى بينه وبين مسؤول ميليشيا حركة فتح في مخيم عين الحلوة منير المقدح اتصال هاتفي، أن «الحل السياسي لأزمة نهر البارد يلزمه قرار سياسي جريء بعد الانتهاء من كل العقد والخلافات، بدءاً بمهمة القوى الأمنية المزمع تشكيلها في القريب العاجل». وأوضح أن «هناك خلافاً على مهمة هذه اللجنة، فالبعض يصرّ على أنها للحسم العسكري والبعض الآخر غير موافق على ذلك، باعتبار أن مهمتها أمنية للحفاظ على أمن المخيم، فيما يبقى رئيسها مداورة على غرار اللجان الأمنية السابقة، إذ يكون هناك ضباط إشراف من كل الفصائل يشرفون على حسن سير المهمة». وعدّد الشيخ الحاج الخطوات الأخرى وهي: «وقف إطلاق النار، انتشار القوى الأمنية، تسليم «فتح الإسلام» سلاحها، حلّ تنظيم «فتح الإسلام» وتسليم العناصر التي قامت بالاعتداء على الجيش، وعودة النازحين إلى داخل المخيم». ونوّه الحاج بموقف قائد الجيش العماد ميشال سليمان «الذي لاقى ارتياحاً كبيراً في الأوساط الشعبية والفلسطينية كافة».
وفي منزله داخل مخيم عين الحلوة، وخلال تقبّله التعازي بوفاة جدّه، يقصّ قائد ميليشيا حركة فتح في لبنان العميد منير المقدح قصة «طائر الوروار» على المستفسرين منه عن موعد انتشار القوة الأمنية في مخيم نهر البارد التي كان أعلنها المقدح في وقت سابق، فيقول إن طائر الوروار من أهم الطيور لكن مشكلته أنه يحلّق على ارتفاعات شاهقة، ولكي تجذبه وتجعله يخفض مستوى تحليقه ما عليك إلا أن توقد النار لأن الدخان المنبعث يغريه، وأنا قمت بطرح خبر تشكيل القوة لأني اشتقت للصحافيين وخبريات كهذه تغريهم، مضيفاً «أن رمي الخبر هذا جاء في سياق برنامج موضوع وبمثابة جس نبض، وقد كان ردّ الفعل والأجواء جيدين والوضع ممتاز جداً جداً، أما كيف ولماذا، فاسمحوا لنا في ذلك، غير أنه لا عقبات لبنانية ولا فلسطينية».
وبعد لقائه الرئيس الحص قي دارته في عائشة بكار، أوضح ممثل «حركة حماس» في لبنان أسامة حمدان «أننا لا نريد أن تتحول المسألة في نهر البارد إلى استنزاف، ولا بد من محاسبة فاعلي أزمة فلسطينية ـــــ لبنانية قد تقود إلى ما لا تحمد عقباه. وأكدنا أن أي حل يجب أن يحظى بمواقفه الجميع، وأن يكون برضى الجميع، وأن أي جهد من الجانب الفلسطيني يجب أن يكون جهداً مشتركاً فلسطينياً، وأن يقبل به الجميع، لا أن ينفرد به طرف أو فئة، لأن من شأن ذلك تعقيد الأمور لا حلّها. وعلى هذا الاساس، نأمل أن نتوصل إلى حل في أقرب فرصة ممكنة».
بدوره، أكد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال في حديث إذاعي «ان اطالة أمد المعركة من شأنها أن تزيد الكلفة ولا تقللها»، مشيداً بـ«الكلام الوطني والمسؤول لقائد الجيش العماد ميشال سليمان». وعن تشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة قال: «ان استعداد الفصائل هو المفصل الرئيسي في المسألة، وهي المنوط بها التشكيل والمهمات أولاً والتنسيق مع الدولة ثانياً». وعن حادث اطلاق النار على التظاهرة في مخيم البداوي قال: «آن الاوان لنعرف هوية الطرف الثالث، والإعلان عن اسمه الحقيقي لا الحركي»، مبدياً ثقته الكاملة بالقضاء اللبناني».