طارق ترشيشي
ليس لدى اللبنانيين، سياسيين ومواطنين، أوهام عن مؤتمر سان كلو الحواري. فهم مقتنعون بأن المتحاورين، ممثلي أركان طاولة الحوار الكبار، لن يكون في مقدورهم اجتراح التسوية أو الاتفاق الموعود، لأن المواقف ونقاط الخلاف والحلول المطلوبة معروفة، لكن لكل من فريقي الموالاة والمعارضة تصوره وأولوياته، بصرف النظر عن التدخّلات الخارجية التي تمثّل حركة السفير الأميركي جيفري فيلتمان أحد أبرز مظاهرها الفاقعة والتي وصلت الى حدود التصرف كأنه مفوّض سامٍ، لا حسيب على حركته ولا رقيب، خلافاً للأنظمة والقوانين التي تحكم عمل البعثات الدبلوماسية في كل دول العالم.
هل يراجع السفير الأميركي، وغيره، وزارة الخارجية، بحسب الأصول، عندما يريد زيارة أي شخصية سياسية او غير سياسية أو أي منطقة أو مؤسسة، ويحدّد الهدف منها؟ بالتأكيد لا. لكن المشكلة أن كثيرين، في الموالاة وحتى في المعارضة، يستقبلون فيلتمان وكأنه من «أهل البيت اللبناني»، ويسقطون في أحاديثهم معه، ومع غيره من سفراء الدول الكبيرة والمؤثرة، كل المحرّمات، ويفشون كل الأسرار، أمام سفراء دول تسعى وراء مصالحها، وليست جمعيات خيرية. وبذلك لا يعود هناك «سر دولة» الذي يُفترض ألا يبوح به الجميع، اذا كانوا فعلاً يحرصون على البلد، ويلتزمون «عقيدة الدفاع» عنه، حتى لو كانوا مختلفين في السياسة.
يتدخل السفير الأميركي، أو «الوالي» بحسب ما سمّاه الوزير السابق ميشال سماحة، فيخرّب المبادرات، المحلية منها والعربية والدولية، ثم ينبري الى القول إنه وبلاده لا يتدخلان في الشؤون الداخلية اللبنانية، وآخر «مآثره» إحباط مهمة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والوفد العربي الرفيع المستوى المرافق له، اذ مثّل تصريحه بأن «المبادرة العربية لا تعنينا» كلمة السر التي تلقّفها البعض ليتنصل مما التزمه أمام موسى، وكاد أن يمثّل منطلقاً الى حل للأزمة ترعاه جامعة الدول العربية.
الى أين بعد مؤتمر سان كلو الذي لا تؤيده الولايات المتحدة، والذي أفرغته من محتواه قبل أن يُعقد؟
سياسي مطلع يرى أن البلاد ستكون أمام احتمالين: إما أن تحصل تسوية يكون المعبر اليها اتفاق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي عبر الإتيان برئيس توافقي، وإما احتدام النزاع بما يؤدي الى انقسام المؤسسات الدستورية وغيرها بين حكومتين، او تعطيل هذه المؤسسات.
وإذ يذهب البعض الى اعتبار أن مستقبل البلد بات مرهوناً بمن ستكون له الطلقة الأولى، يدعو السياسي نفسه الى إعادة قراءة الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ«حزب الله» في معرض المعارف للكتاب الذي أقيم في الضاحية الجنوبية قبل نحو شهرين. عندما شدّد على أن «لا حرب أهلية ولا فتنة ستحصل في البلد مهما حاولوا افتعالها»، وأكد حرص الحزب والمعارضة على عدم الانزلاق الى هذه الحرب، مؤكداً الاستعداد للاستمرار في التحرك الاحتجاجي في ساحات بيروت وغيرها حتى نهاية ولاية المجلس النيابي سنة 2009، بحيث تخوض المعارضة عندئذ معركة التغيير ديموقراطياً من خلال الانتخابات النيابية، بما أن الأكثرية ترفض القبول بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية يتحقق فيها التوازن وشمولية التمثيل. والجميع يذكر العبارة التي قالها السيد نصر الله يومذاك وهي: «غمّض عين، فتّح عين، بيخلصوا السنتين». حيث أراد من خلالها التأكيد أنه ينتهج في النزاع مع الموالاة سياسة النفس الطويل وأنه والفريق المتحالف معه لن ينجروا الى أي حرب داخلية من أجل الحفاظ على السلم الأهلي في البلاد.
على أن واقع الحال يشير الى أن الأكثرية تستعجل الوقت لتحقيق مكاسب سياسية إضافية على مستوى الإمساك أكثر بمفاصل السلطة. لذا فهي تسعى بكل طاقاتها من أجل الاستحواذ على رئاسة الجمهورية بأي شكل من الأشكال حتى تستقر السلطة كلها في قبضتها، لأنها تشعر بأن المشروع الأميركي في المنطقة الذي يحمل اسم «الشرق الأوسط الكبير» بدأ يتراجع ويتقهقر، وهو ما يمكن أن يؤدي الى سقوط مشروعها لاحقاً، لذا تحاول «استلحاق» نفسها بالسيطرة على الرئاسة، بإيحاء مباشر من فيلتمان الذي لم يتورّع عن تحديد ما على الجيش اللبناني أن يقوم به وما على حاكم مصرف لبنان أن يلتزمه في حال تأليف حكومة لبنانية ثانية.