سيرين قوبا
نقولا مجدلاني: أشعر أنّ القدّيسين يكلّمونني ويختارون ألوانهم

«بارك يا رب الذين يحبون جمال بيتك» بهذه الآية من الإنجيل اعتاد نقولا مجدلاني الفنان ورسام «الأيقونات» البيزنطية أن يبدأ عمله في رسم اي أيقونة سواء على حائط أو قماش أو قطعة خشبية.
يقبّل الفرشاة، يرسم شارة الصليب ويسافر نقولا الى دنيا الفن البيزنطي الذي احترفه منذ عام 1958 الذي يراه عام مولده الثاني هو الذي ولد في تموز من عام 1935 .
افتتان نقولا مجدلاني بفن الأيقونة بدأ معه في كنائس بيروت، فعند «كتابته الأيقونة» يقول مستلهماً «أشعر بوجود يد الله... يحرّكني الروح والوحي الإلهي». ويضيف: «أنا أحتفل بعيدين لميلادي، الأول عندما أبصرت النور في تموز عام 1935. والثاني، وهو الذي أفضّل أن أحتفل به دوماً، في تموز عام 1958، السنة التي بدأت فيها بأول عمل فني بيزنطي». يرى نقولا أن وجوده الحقيقي هو لخدمة الفن الكنسي. فإذا سألته ماذا ترسم الآن؟ ينهرك قائلا: «لا، أنا لا أرسم الأيقونة، بل أكتبها وأشرك نفسي مع الرسل والقديسين الذين أصورهم، فأجعل لي لاهوتاً خاصاً ومشاركة روحية بينهم وبيني، فأشعر بهم يكلمونني ويختارون ألوانهم التي
تعجبهم».
نقولا مجدلاني يبرئ يهوذا من دم المسيح... فهو يرسمه بشكل جميل لا بل في غاية الجمال، وإنارة الملابس عكس التقليد السائد في رسم يهوذا مثلما يقول: «انه شيء مقدّر ومرسوم من الله أن يسلّم المسيح وإن لم يكن على يد يهوذا فسيكون غيره».
بسبب هذا الارتباط الوثيق، حيث لغة الروح ولدت ونمت فيه نتيجة حياة طويلة في فن الأيقونة، أصبحت الشخصيات «المكتوبة» هي عائلته وأولاده وإرثه، فلا عجب إن كان لا يعرف الراحة ولا طريق منزله سوى ليلاً، حيث يتمتع برشاقة خفيفة بتسلق السلالم العالية، وقليلاً ما يحتاج الى وضع نظارته، وأيضا يتمتع بيد ثابتة لا تهتز وهو في هذه السن (72 عاماً) إذ يقول: «هذه السن توّلد عندنا شعوراً بالحماسة للعمل وعشق الفن». يحلم نقولا مجدلاني وهو نائم بالأيقونة، ينهض من فراشه ليلاً ليسجّل فكرة أو رسماً جديداً مستوحىً من الإنجيل أو من العهد القديم..
قبل تنفيذ اي عمل، يمضي الوقت الاكثر في التأمل والتفكير: كيف ستكون الايقونة؟ يدرس جميع تفاصيلها وألوانها، يختارها بعناية فائقة، إذ يعلق اهمية كبيرة على دمج الالوان وتنسيقها بما يجعلها تنبض بالحياة. فعند توضيح معالم الرسم الأولية بالقلم والحفر بأداة حادة، يبدأ بالعملية التي لا تقل عناية ودقة، وهي تغطية الأيقونة المراد رسمها بأوراق ذهبية خاصة ليبدأ بنشر ألوانه التي اختارها وخصصها لها.
بدأ نقولا مجدلاني حياته المهنية ناظراً في إحدى مدارس بيروت، وكان قد تعلم الرسم الزيتي وتقنياته كأي فنان عادي. قراره الذهاب الى اليونان ليدرس الفن البيزنطي ومبادئه لقي معارضة في البدء وقلّة اهتمام، لكن إصراره وطموحه الكبير، جعلاه من اوائل اعمدة الفن البيزنطي في لبنان، وقد ثبتت شهرته وقدرته في اول عمل ضخم له في اكبر قبة كنيسة في لبنان بوادي شحرور، اذ رسم فيها صورة «الضابط الكل»، وهو ما دفع أهل الصحافة المحلية والاجنبية إلى التعليق عليها والتعرف إلى راسمها، وقد كُرّم عدة مرات تقديراً لجهوده ونوعية أعماله.
واليوم لا كنيسة في لبنان أو اميركا وكندا، وفي أوستراليا لا تعرف نقولا مجدلاني «الاستاذ الكبير» كما يطلق عليه، فهو اقام في كثير من هذه البلدان معارض ناجحة، وكنائس كثيرة تشهد على عبقريته وأسلوبه الفريد من نوعه الذي طوّره نقولا بنفسه الى أن ارتبط اسمه بالأيقونة ارتباطاً روحياً وثيقاً علماً أن قلة اليوم تعرف أسرارها وتقانتها ولغتها الخاصة.