باريس ــ بسّام الطيارة
عاد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت أمس رغم «نصائح عدة» بتأجيل زيارته بسبب «عدم الوضوح» الذي قابل جولة مشاورات السفير فوق العادة جان كلود كوسران، والتوتر السياسي الذي يسود الساحة اللبنانية و«عدم تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي» الذي اتفق عليه في سان كلو.
فماذا يحمل رئيس الدبلوماسية معه ؟ تقول مصادر مقربة من كوشنير إن الأخير مصمّم على عدم ترك لبنان للأزمات التي يتخبط فيها مهما كانت الصعوبات، وإنه يؤمن بأنه «يمكن تحريك الجبال إذا وجدت الرغبة الصادقة»، وتنقل هذه المصادر عن كوشنير قوله إنه لمس عبر تقرير كوسران «رغبة أكيدة لدى زعماء لبنان في الخروج من المأزق».
وفيما نفى الناطق الرسمي المساعد في وزارة الخارجية الفرنسية دوني سيمونو أن يكون كوشنير يحمل «أي نوع من الضمانات المتبادلة» لأفرقاء النزاع، كما نسبت اليه بعض الصحف اللبنانية، فإن مصادر مطلعة في الخارجية قالت لـ«الأخبار» إن كوشنير «يعود الى بيروت وفي نيته الاجتماع مع كل زعماء الصف الأول». وحسب مصادر موثوق بها فإن برنامج الوزير يقوم على «جمع الذين شاركوا في لقاء سان كلو في قصر الصنوبر» للتباحث في النقاط التي تم التطرق اليها في لقاء باريس. وترى المصادر أن النقاط التي اتفق عليها هي «ضرورة مجابهة الاستحقاقات الدستورية» أي الانتخابات الرئاسية لتجنب الدخول في فوضى دستورية تزيد الوضع ارتباكاً. وذكرت المصادر أن الفرنسيين يدركون أن «لقاء سان كلو قد حرّك الأشياء وأن المواقف لم تعد كما كانت قبل اللقاء» وهي تتجه نحو مؤشرات إيجابية. وتؤكد المصادر أن كوسران «لمس لدى الجميع حالة ثقة بإمكان حلحة الأمور» وأنه عاد بانطباع بـ«عدم خوف الأطراف الأساسية من انفجار الوضع» مما ساهم بإبقاء تاريخ سفر الوزير كما كان مقرراً.
ويشير هؤلاء إلى أن «تطور موقف البطريرك الماروني نصر الله صفير فيما يتعلق بالنصاب لم يأت من عبث»، وتقول مصادر دبلوماسية متابعة للملف اللبناني إن «موقف البطريرك هو إشارة إلى توجهات الفاتيكان» التي لا ترى بعين الرضى اقتراب لبنان من شفير الفوضى، وتضيف إن «باريس ليست بعيدة عن هذه الأجواء».
ومن المتوقع، حسب مصادر فرنسية، أن يسعى كوشنير بعد مقابلة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى جمع زعماء «الصف الأول» لتثبيت «نوع من التقدم في المبادرة الفرنسية» وتقول هذه المصادر إنه لولا الظروف الأمنية لكان كوشنير قد اجتمع بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، و كررت المصادر أن كوشنير «يحمل دعماً رئيسياً من الرئيس نيكولا ساركوزي الذي بات مقتنعاً بأن لحزب الله دوراً أساسياً يلعبه في تهدئة الأمور» وإن نظرته إلى الحزب «قد تغيرت كثيراً منذ بداية اهتمام وزيره بالملف اللبناني».
وقد أكد الناطق الرسمي في معرض رده على سؤال لـ«الأخبار» عن «التعاون القائم بين باريس وواشنطن في ما يتعلق بالمبادرة الفرنسية في لبنان» بأن «باريس وضعت بعض الدول الصديقة في أجواء المبادرة منذ البداية»، وتقول مصادر متابعة للملف اللبناني إن واشنطن «تتابع عن كثب التمرين الفرنسي»، وحتى الآن لم تصدر «أي إشارات سلبية أو إيجابية» رغم أن بعض المصادر أكدت أن «كوندوليزا رايس على اتصال دائم بكوشنير».
وكان كوشنير قد بدأ محادثاته في بيروت بلقاء مع الرئيس السنيورة في السرايا الحكومية بحضور الموفد الفرنسي جان كلود كوسران والسفير الفرنسي برنارد إيمييه، فيما حضر عن الجانب اللبناني وزير الخارجية بالوكالة طارق متري ووزير الشباب والرياضة أحمد فتفت ووزير الدولة لشؤون مجلس النواب ميشال فرعون والأمين العام لوزارة الخارجية السفير هشام دمشقية.
وبعد اللقاء أوضح أن المحادثات تناولت «التطورات والوضع المتحرك ونتائج اجتماع سان كلو وقلت، كما قال الرئيس السنيورة، إن أملنا أن يستمر الحوار بين الطوائف (...) وإرساء الثقة بينها».
وقال: «لا إعلم إن كان سيُعقد مؤتمر آخر في سان كلو، لكننا أشرنا إلى أن الحل هو بين أيدي اللبنانيين، وأنا لم أكن شخصاً يحمل خطة سحرية أو مشروعاً لتتوقف الأزمة بل إن جميع اللبنانيين وجميع الطوائف، وبالتأكيد التأثيرات الخارجية، عليهم تقديم حل في الانتخابات المقبلة»، مشيراً إلى أنه «في حال الضرورة سنجتمع لإعادة إرساء الثقة». ورأى أن «أزمة السلطة هي أيضاً مشكلة بين الطوائف اللبنانية التي يجب أن تتحاور بصراحة ونزاهة»، آملاً «من كل الأطراف الخروج بحل لبناني يقبله العالم بأسره، لأن هذا الحل سيكون لبنانياً ويقبله بالتالي الجيران وتحديداً الجيران».
وانتقل كوشنير والوفد المرافق له الى عين التينة حيث التقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أقام له مأدبة عشاء حضرها عدد من النواب والدكتور كامل مهنا.