strong> راجانا حميّة
تخوض الجامعة اللبنانيّة ـــ الأميركيّة (LAU) غمار تجربة جديدة في مجال البرامج الدراسيّة المتخصّصة «المغيّبة» عن دائرة الاهتمام، رغم الحاجة الملحّة إلى التخصّص فيها. ولأنّ الهجرة لم تكن يوماً عاملاً طارئاً على يوميّات المجتمع، بادرت «مؤسسة دراسات الهجرة» وقسم العلوم الاجتماعية والتربوية في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة في الجامعة إلى وضع مخطط أولي لبرنامج «ماستر» متخصّص في دراسات الهجرة. وقد حدد مدير المؤسّسة الدكتور بول طبر المدّة القصوى للمباشرة بالبرنامج بسنة واحدة على الأقل بعد موافقة إدارة الجامعة ووزارة التربية والتعليم العالي.
وُلدت فكرة دراسة الهجرة من الهاجس الذي عاشه طبر، كباحث، في أن يكون في لبنان دراسات علمية أكاديمية عن هذا الواقع، ويعزو طبر أسباب رغبته الملحّة «إلى أنّ لبنان بلد لديه تاريخ طويل في مجال الهجرة، ويعاني في الوقت نفسه نقصاً في إجراء دراسات متخصّصة في تأثيرات الهجرة على المجتمع اللبناني والمجتمع المضيف».
وفي التخطيط الأوّلي، تتألّف الشهادة الجديدة، من سنتين، وتُدرّس في السنة الأولى ثماني مواد، تستتبعها مجموعة من الأبحاث. ويشير طبر إلى أنّ مواد السنة الأولى تتناول تاريخ الهجرة ونظرياتها الأنتروبولوجية والسياسيّة، وتبحث الهجرة إلى لبنان والعالم العربي وأشكالها وأنواعها. وفي السنة الثانية، يتهيّأ الطالب لتنفيذ المخطّط العملي والتطبيقي، عبر الأطروحة التي يتراوح حجمها بين 20 ألف كلمة و25 ألفاً أو ما يزيد. ويفرد طبر، من خلال المخطّط التمهيدي، جزءاً لشهادة الـ«Diploma» التي تُختصر بستّ مواد ولا يحتاج الطالب إلى إجراء أطروحة في النهاية. وتقع دراسة الـ«Diploma» بين الإجازة والماستر، وتتوجّه إلى الطلّاب الذين يبحثون عمّا يزيد من تخصّصهم في هذا المجال بعد إتمام الإجازة العاديّة، وهم بالتالي لا يرغبون باستكمال الدراسات العليا. كما تستهدف ذوي الاختصاص من الإداريين في الدولة ووزارة الخارجية لتتكوّن لديهم فكرة واضحة عمّا يسمّى الاغتراب وواقعه وتداخله بالعلاقات الخارجية. وقد تدخل مواد «الديبلوما» الستّ ضمن برنامج الماستر، تضاف إليها مادتان في السنة الأولى، وتستكمل بالأطروحة في السنة الثانية.
واللافت في الماستر، أنّها تضم اختصاصات متعددة، فقد يتناول الطالب موضوع الدراسة من وجهة نظر سياسيّة أو اجتماعية أو ثقافيّة، أو يعمد إلى دمجها في إطار موحّد. ويوضح طبر أنّ «الماستر» قد تكون مفتوحة على برامج ماستر أخرى كالعلاقات الدولية، بحيث تتداخل بعض المواد بين الاختصاصيْن»، ويلفت «إلى أنّ طالب دراسات الهجرة قد يدرس التعدّدية الثقافية في المجتمعات الغربية ومشكلة المواطنة في الغرب التي يطرحها وجود المغتربين، فتكون هذه المادة في الوقت نفسه جزءاً من ماستر العلاقات الدولية، رغم أنّ الشهادة التي ينالها تكون في دراسات الهجرة».
ولا يقتصر عمل المؤسّسة، بحسب طبر، على دراسة هجرة اللبنانيين إلى الخارج، بل يتطرق إلى هجرة غير اللبنانيين إلى لبنان وهجرة العرب إلى الخارج وغير العرب إلى الدول العربية. وتسعى المؤسّسة إلى دراسة الجوانب المتعدّدة والمركّبة للهجرة، فترصد تأثيرها على تكوّن ونشوء النخبة السياسية في لبنان، والعلاقة الفعليّة التي يبقيها المغترب مع وطنه، والتشكيلات السياسية التي تكون عادةً فروعاً للتنظيمات الأم في لبنان، والتي تخدم السياسة اللبنانيّة. وتستهدف المؤسّسة دراسة تأثير الهجرة من الناحية الماديّة، سواء كانت سلبيّة أو إيجابيّة. وفي الجانب الثقافي، تعمل على تجميع الأعمال الأدبية المكتوبة بأقلام أجنبيّة من أصول لبنانية، أو ما يسمّى الأدب المهجري. ويوضح طبر أنّ العمل الأدبي المستهدف في هذا الجانب، يتعدّى أدب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، مستهدفاً نوعاً آخر من الأدب الحديث، منها كتابات ربيع علم الدين في أميركا ولبنى هيكل في أوستراليا، وهنا يطرح طبر إشكاليّة جديدة للهجرة، تتمثل بقدرة المجتمعات المضيفة على التعامل مع التنوع الثقافي، لافتاً «إلى أنّ التحدّي الأكبر أمام المجتمعات الغربية، التي تدّعي بأنها ديموقراطية وتؤمن بالحرية على الأقل في ما يتعلق بشعوبها، يكمن في مدى اعترافها بحقوق المغترب ووجوده، وهذا ما لم تقدر عليه المجتمعات الديموقراطيّة»...