أنطوان سعد
يبدو أن احتقان الوضع السياسي وتداعيات اغتيال النائب وليد عيدو، إضافة إلى أزمة عدم توقيع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في المتن الشمالي وبيروت الثانية، قد أعطت زخماً للمحاولات التي كانت ترمي في مطلع حزيران الجاري إلى تشكيل حكومة وفاق وطني. إذ إن انسداد أفق الحل وانفتاح الوضع على مختلف أنواع الأزمات والمشاكل حرّكا الجهات اللبنانية والخارجية التي لها مصلحة في تحقيق الاستقرار السياسي داخل لبنان في اتجاه تخطي المأزق الآخذ في التفاقم، مع احتدام الجدل حول شرعية تجاوز توقيع رئيس الجمهورية على المراسيم، وخطر تسجيل سابقة في هذا السياق، واقتراب شبح قيام حكومة ثانية وفق ما تلوّح به المصادر القريبة من المعارضة والقصر الجمهوري.
وبعد الأجواء المتشنجة التي صحبت وتلت اغتيال عيدو وأوحت لفترة بأن كل ما كان يجري العمل عليه قد توقف نهائياً، وأن المشكلة عادت إلى النقطة الصفر، تحركت الأوساط الدبلوماسية، وبخاصة الأميركية والفرنسية، وإلى حد ما السعودية، وأعادت الروح إلى مبادراتها في اتجاه حكومة إتحاد وطني. وتكشف مصادر مطلعة عن اتصالات واجتماعات مطولة قامت بها هذه الأوساط في اليومين الماضيين مع الجهات التي كانت تطبخ معها بعيداً من الأضواء مسألة توسيع الحكومة، وإعادة تفعيل الدور المسيحي، قبل العاشر من حزيران الجاري.
غير أن هذه المصادر تحاذر من إبداء تفاؤل في إمكانية نجاح المساعي الجارية، مشيرة إلى أن من الصعب تلمس شيء قبل نهاية الأسبوع المقبل، لأن النقاش يدور الآن حول نقطة محورية هي التوفيق بين الضمانات بعدم التعطيل وبين ممارسة كافة الحقوق الدستورية، مع الإشارة إلى أنه تم تكريس نقطة هي أن تعطيل التوافق أيضاً هو تعطيل للبلد. وفي مقابل هاجس الاستقالة الذي يصر فريق الأكثرية على إيجاد ضمانة له، تشدد أوساط المعارضة على ضرورة أن يطلق مشروع توسيع الحكومة ديناميكية للتوصل إلى اتفاق حول استحقاق رئاسة الجمهورية. وفيما يريد الشق المسيحي من المعارضة تأميناً لعودة الدور المسيحي إلى القرار الرسمي، يصر الشق الشيعي على حقه في أن تكون له أيضاً كلمة في عملية اختيار رئيس البلاد.
يأتي هذا التحرك موازياً لاتجاه لدى البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، ولدى تكتل «التغيير والإصلاح»، لتخطي أزمة تجاوز توقيع رئيس الجمهورية نحو البحث في عمق المشكلة التي هي تشكيل حكومة الوفاق الوطني بدل الدخول في سجال حول صلاحيات رئاسة الجمهورية المرتبطة بالتوازن الطائفي داخل المعادلة اللبنانية، على رغم تمسك الطرفين باحترام الدستور وصلاحيات الرئاسة الأولى. ولا بد من الإشارة إلى أن التكتل الذي يرأسه العماد ميشال عون هو المستفيد الأكبر من عملية توسيع الحكومة التي يرجّح أن تعطيه خمسة أو ستة وزراء. وهو بالتالي أكثر اللبنانيين دعماً لفكرة التوسيع في حين أن أقلهم إفادة منها أشدهم تصلباً حيالها. في حين أن البطريرك الماروني يرى فيها فرصة للانتهاء من الوضع الشاذ ولتحضير أجواء ملائمة لعملية انتخاب رئيس للجمهورية ولإعطاء الأمل للمواطنين اللبنانيين بحاضرهم وغدهم ولكن من دون إغفال ما يكفل عدم تعريض البلاد لخطر الفراغ أو التمزق.
وقد ذكّر سيد بكركي النواب الموارنة من تكتل «التغيير والإصلاح»، امس، بأنه طرح فكرة الحكومة المصغرة تيمناً بالحكومة الرباعية التي تلت أزمة 1958 ونجحت في إعادة الاستقرار إلى البلاد بعد أشهر من التوتر وصلت إلى حد الاقتتال. وهو من الذين يعرفون من خلال تجربته الطويلة أنه ليس بإمكان أي فريق في لبنان أن يفرض إرادته على الآخر من غير أن يتسبب بالمآسي لنفسه ولأبناء وطنه. ومن هذا المنطلق، يشجع الأطراف اللبنانية المتنازعة على التوافق لما لذلك من انعكاسات إيجابية على مستوى تفادي قيام حكومتين وحصول فراغ وفوضى، والانتهاء من الاعتصامات، وفتح أبواب المجلس النيابي، وخلق ديناميكية للاتفاق على رئيس توافقي للبلاد، وتوحيد المجتمع السياسي بما يقفل باب الاختراقات الأمنية، وإزالة الالتباسات حول شرعية القرارات التي اتخذتها الحكومة منذ انسحاب الوزراء الشيعة، وإعادة إعطاء الاقتصاد اللبناني فرصة لاستغلال ما تبقى من موسم الاصطياف الذي يعول عليه اللبنانيون. فيما نتيجة عدم توسيع الحكومة معروفة وهي استمرار الحال السائدة وهي بالتأكيد لا تروق لجميع اللبنانيين.