وفاء عواد
يتمايز تمّام صائب سلام، النائب البيروتي السابق، بحرصه الشديد على إبقاء كل الاحتمالات مفتوحة بالنسبة الى خياراته المستقبليّة، وفق قاعدة أن لكل ظرف حكمه... لكنه، في مقابل انفتاحه حيال ما فيه مصلحة بيروت، لا يتردّد في الإعلان عن وجود «خلفيات عاطفية» تتحكّم في طرح اسم المرشّح للانتخابات الفرعية المقبلة، تاركاً لرئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري القول الفصل في هذا الشأن.
«عتيق» في السياسة، وسليل عائلة بيروتية عريقة.. خسر مقعده في الانتخابات التشريعية منذ عام 2000، بعد أن استحقّه في دورتي 1992 و1996. لكنه، رغم افتقاده الحصانة النيابية، فإن حصانته الشعبية العريضة التي تلتصق به تجعله من السياسيين الثابتين في مواقعهم واحترامهم لقناعاتهم.
وبعيداً عن ارتباط حضوره على الساحة البيروتية بأي مقعد نيابي أو وزاري «لا يقدّم ولا يؤخّر» في مكانته بين أبناء مدينته، فقد اختار الوقوف في «الوسط»، بين المعارضة والموالاة، محاولاً مدّ «جسور التوفيق» بينهما.
أخيراً، جمعه حفل تشييع النائب وليد عيدو برئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري في «كادر» واحد. وذلك، بعد مضيّ أيام على دعوته المعارضة، من السرايا الحكومية، إلى إنهاء اعتصامها في وسط بيروت كـ«مدخل إلى ترجمة إرادة الحل».. ما طرح تساؤلاً عن مدى ارتباط هذا الأمر بتنسيق ما للانتخابات الفرعية المقبلة، وتحديداً في دائرته الانتخابية ــــــ بيروت الثانية (المصيطبة/الباشورة/الرميل).
في حديثه الى «الأخبار»، يبدّد سلام هذا التساؤل، بدءاً بوصف علاقته بالحريري بـ«الجيدة والمتواصلة والمريحة»، وصولاً الى إبداء انزعاجه من وضع حضوره في مناسبة «أليمة» في خانة التحضير للاستحقاق الانتخابي أو الاصطفاف الى جانب «الأكثرية»، إذ إن «المصيبة جمعتنا، ووقوفي الى جانب الحريري لم يكن مصطنعاً أو مفتعلاً».
وبعيداً عن مدى ارتباط السياسة بـ«التقويم الانتخابي»، حتى إشعار آخر، ومن واقع «الغابة الدستورية التي تحوّلت الى أدغال دستورية»، يرفع سلام الصوت عالياً لـ«تعزيز نظام لبنان الديموقراطي، بالممارسة لا بالمحاضرات»، ليطلّ على واقع الانتخابات الفرعية التي تأخرت لـ «ظروف وملابسات سياسية»، إثر اغتيال النائب بيار الجميّل، ما «لا يبرّر عدم إجرائها، ولو متأخّرة»، مستنداً الى المثل الفرنسي الشائع: «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً».
وإذ يبدي الزعيم البيروتي «المستقلّ» أسفه لكون «مساحة عدم الثقة بين الفريقين المتنازعين كبرت مع الوقت، وتراكم فيها الكثير من المشاكل والعواقب والرواسب في خلافهما»، فإن الانتخابات بالنسبة إليه «أمر مطلوب يجب المضي فيه، مهما كلّف الأمر»، بالرغم من «اعتراف رئيس الجمهورية أو عدمه بالحكومة».
والى أن ينقشع الضباب عن الأسماء المرشّحة لملء المقعدين الشاغرين في مجلس النواب، ينفي سلام أن يكون أحد ما فاتحه في موضوع الانتخابات، فـ«الحديث ما زال مبكراً»، لكنه يرى أن «الكلمة الأبرز» في هذه المرحلة هي للحريري، وأن المرشّح «الأوفر حظاً» هو من سيرشّحه «تيار المستقبل»، استناداً الى «الخلفيات العاطفية التي يجب الاعتراف بها والتفاعل معها»، مذكّراً بعزوفه عن خوض انتخابات عام 2005 للسبب نفسه.. لكن، إذا كان هناك مجال لترشّحه، فـ«لكل حادث حديث» وقد «تحدث أمور شتّى، كأن يوقّع رئيس الجمهورية أو لا يوقّع، وحينئذ تتوضّح الأمور».
وانطلاقاً من قوله بأن الحكومة الحالية «دستورية وشرعية، ولا غبار عليها وعلى عملها الجيد»، إنما هي «ليست الفضلى، في المطلق»، و«ضعيفة» لسببين: «تغيّب فريق أساسي عنها» من جهة، ولكونها «قصّرت في اتخاذ إجراءات معينة، ولا سيما بعد اغتيال النائبين جبران تويني وبيار الجميّل»، يجدّد مطالبته بـ«تأليف حكومة وحدة وطنية، تضمّ كل القوى السياسية، وتُشركها في اتخاذ القرارات المصيرية، ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يجتازها لبنان، وعلى غرار ما حصل في الصيف الفائت خلال حرب تموز»، منبّهاً الى أن «أسعد الأوقات عند إسرائيل تكمن في رؤيتها حكومتين في لبنان، أو فريقين منقسمين».
أمّا لجهة ما يثار عن «الثلث المعطّل والضامن وغيرهما»، فإنه يعتقد بأن الصيغة الحكومية المثلى تكمن في مراعاة قاعدة «عدم انكسار فريق، وربح الفريق الآخر»، داعياً الى توسيع الحكومة «كما يحصل في الملاعب، إذ إن هناك مساحة شاسعة بين الفريقين تضمن عدم الاحتكاك بينهما». وذلك، بـ«وجود 3 وزراء ملوك، من الشخصيات الحيادية»، و«لا أحد يتأخر عن تولّي هكذا مهمة».
في قاموسه، المواقف لا تتبدّل مع هبوب «رياح التغيير». لذلك، فإنه يطرح الأولويات وفق التسلسل الآتي: «على المستوى السياسي، الأولوية هي للحكومة، ولكن هذا لا يعني أن نجمّد الانتخابات الفرعية»، و«انتخاب رئيس الجمهورية مهمّ، على أن يكون توافقياً لجمع الشمل. ولكن موضوع الحكومة لا يقلّ أهمية. ومعالجة كل موضوع بذاته أمر ضروري».
وإذ لا يجد أي علاقة بين موضوع الانتخابات الفرعية ومجلس النواب «شبه المشلول، والمغيّب عملياً»، يؤكّد سلام «حتمية» إجرائها في موعدها المحدّد، لتسفر عن انضمام نائبين جديدين الى الندوة البرلمانية.
ماذا بعد؟ والى أين نحن سائرون؟ وهل ستتمدّد «الحرب المفتوحة» أكثر؟، يستشرف سلام إمكان «وصول لبنان الى الفراغ الدستوري». وبانتظار الآتي، يختم كلامه بالإشارة الى أن الحكومة الحالية «دستورية»، في وجه أي حكومة ثانية.