طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
هل يعني تسارع عملية الاتصالات وطرح الأفكار والمبادرات على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، بما يتعلق بملف مخيّم نهر البارد وأزمة حركة «فتح الإسلام»، أنّ هناك حلحلة ما قريبة ستبصر النور، وإن بصيغة «هجينة»، غير تلك التي كانت مطروحة سابقاً، والتي قوبلت برفض الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني من جهة، وحركة «فتح الإسلام» من جهة ثانية؛ أم أنّ المخاوف من تدهور الأوضاع نحو الأسوأ مستقبلاً هي التي حتّمت تسارع عقد الاجتماعات، وتقديم «تنازلات» متبادلة للخروج من عنق الزجاجة؟
قد يكون من المبكّر الحكم على النتائج التي ستسفر عنها حركة الاتصالات القائمة والمتسارعة، التي بدت كأنّها في سباق محموم مع احتمال تفجّر الأوضاع وانفلاتها من عقالها، خصوصاً بعدما بدا أنّ مراوحة الأزمة مكانها، ودوران المبادرات حول نفسها في حلقة مفرغة جرّاء الشروط والشروط المضادّة، سيؤديان في نهاية المطاف، لا محالة، إلى الوصول لحائط مسدود.
فانطلاقاً من هذه النقطة، أوضحت مصادر فلسطينية متابعة لـ«الأخبار» أنّ كلّ المبادرات والطروحات المعروضة، ما تزال تصطدم حتى الساعة بما سمته «عقدة تسليم قياديي الحركة ومسؤوليها إلى السلطات اللبنانية، وهو مطلب تصرّ عليه قيادة الجيش بشدّة، فيما يرفض هؤلاء نهائياً البحث في أيّ مبادرة تطرح هذا الموضوع ضمن بنودها».
إلا أنّ هذه المصادر أشارت إلى أنّ قيادة الجيش قدّمت «تنازلاً رمزياً» في هذا المجال، إذ «بعدما كانت لا تقبل بأقلّ من تسليم كل عناصر قيادة الحركة أنفسهم وسلاحهم إليها، إضافة إلى كلّ من تورّط في القتال ضدّ الجيش»، فإنّها أبدت ما عدّته «تجاوباً مع المبادرات المعروضة، وذلك من خلال طلبها تسليم قائد الحركة شاكر العبسي ونائبه شهاب قدور (أبو هريرة) حصراً، ولو كانا جثتين»، معتبرة ذلك بمثابة «مفتاح الحلّ لنجاح أيّ مبادرة»، ومبدية في المقابل «تساهلاً حيال مناقشة بقية التفاصيل الأخرى المطروحة في المبادرات».
ولفتت هذه المصادر إلى أنّ القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة، المكوّنة من 150 عنصراً مناصفة بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل قوى التحالف الفلسطيني، والتي أرسلت قائمة بأسماء عناصرها إلى الجيش اللبناني، جاهزة للتحرّك فوراً إلى مخيّم نهر البارد إذا ما أعطيت الضوء الأخضر من السلطات اللبنانية»، مشيرة في مقابل ذلك إلى أنّ النزاع الداخلي الفلسطيني بين حركتي «فتح» و«حماس» بسبب تداعيات أحداث قطاع غزّة قد «تمّ تجازوه مرحلياً، وتحديداً في ما يتعلق بمناقشة ملف مخيّم نهر البارد، والسعي لإيجاد حلّ لهذه الأزمة، بعد سلسلة اتصالات ووساطات قامت بها جهات فلسطينية، حرصاً على عدم تشرذم القرار الفلسطيني في لبنان، وانعكاس ما حدث في الداخل الفلسطيني عليه».
وفيما أبدت هذه المصادر خشيتها من انتقال المعارك إلى المخيّم القديم، و«دخول الجيش اللبناني في معارك استنزاف طويلة فيه مع مسلحي حركة «فتح الإسلام»، نظراً لصعوبة اقتحامه»، لفتت أوساط معنية في حركة «فتح» في الشمال إلى «احتمال تطيير فكرة إقامة المربّع الآمن داخل المخيّم، وبالتالي تأكيد مخاوف النّازحين من وجود خطّة تستهدف القضاء على المخيّم كله، وإزالته من الوجود»، وهو الأمر الذي ترجم أمس من خلال اعتصام رمزي تداعى له نازحون من مخيّم نهر البارد أمام مكتب وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» في مخيّم البدّاوي، بعد ورود أنباء عن عمليات جرف تتعرض لها أبنية ومحال تجارية في نطاق المخيّم الجديد.
وقد تلاقت المخاوف التي نبّهت إليها أوساط حركة «فتح» في الشمال بهذا الخصوص، مع التحذير الذي وجّهته «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة» في بيان لها أمس، من أنّ «استمرار الجرح النّازف في مخيّم نهر البارد، من شأنه أن يصبّ في خدمة برنامج التوطين والتهجير»، داعية إلى «الشروع في حوار شامل يتناول الملف الفلسطيني بكلّ أبعاده، وبلغة سياسية واعية تضع حدّاً لاستمرار التدهور وتقطع الطريق على العابثين»، ومؤكّدة أنّ «استمرار الوضع في محيط المخيّم وفي داخله على واقعه الراهن، سيؤدّي إلى تفاقم الحالة الإنسانية والأمنية، وسيحوّل محيط المخيّم إلى خطوط تماس ثابتة إلى أجل غير مسمى».