أنطوان سعد
وصف مصدر قريب من رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري قضية إلغاء عطلة يوم «الجمعة العظيمة» بأنها «هفوة لم نكن في حاجة إليها»، مؤكداً أنها «غير مقصودة على الإطلاق، ويتحمل مسؤوليتها الوزراء الموارنة في الحكومة في شكل خاص، والوزراء المسيحيون على وجه العموم». وأوضح أن «الأمر كان سيُعتبر معيباً لو راجع الشيخ سعد أو رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أو أي شخصية إسلامية، غبطة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير أو غيره من المرجعيات الروحية المسيحية في شأن قضية لها ارتباط، شئنا أو أبينا، بالكنيسة والمسؤولين فيها الذين يعود إليهم وحدهم، بحسب الأعراف المتبعة، الحل والربط في مثل هذه المسألة».
ويؤكد المصدر أن رئيس تيار «المستقبل»، دخل إلى السياسة اللبنانية، بما فيها الشق المتعلق بالعلاقات مع المسيحيين ومرجعياتهم، وبالتحديد مع البطريرك صفير، من خلال مفهوم والده، وأن أول ما يتبادر إلى ذهن الحريري الابن عندما تصادفه إشكالية ما، هو: «كيف كان الوالد سيتعاطى معها؟»، لذلك هو يعرف أنه لا يجوز في أي شكل من الأشكال اتخاذ قرار بإلغاء هذه العطلة الرسمية من دون التشاور مع سيد بكركي. ويستطرد المصدر قائلاً: «كان الرئيس الحريري يقف عند رأي غبطة البطريرك في الكثير من المسائل السياسية والخيارات الأساسية الواجب اتخاذها في البلاد، فكيف في القضايا المرتبطة بالكنيسة، صحيح أنه لم يكن يتفق معه على كل الأمور، لكنه كان يصرّ على أن يحادثه فيها على الأقل قبل أخذ القرار أو بعده».
ويستذكر المصدر قضية بناء مسلخ حديث لبيروت بتمويل على شكل هبة من جهة عربية مانحة تقارب خمسة عشر مليون دولار عام 2004. ففي إحدى جلسات مجلس الوزراء التي كان الرئيس رفيق الحريري يودّ عرض القضية خلالها، مال رئيس الجمهورية العماد إميل لحود إلى أذنه هامساً: «بحسب معلوماتي، البطريرك غير موافق على إنشاء المسلخ في مكانه القديم في الكرنتينا». وفيما اكتفى رئيس الجمهورية بهذا الكلام، أحجم الحريري عن طرح الموضوع، واستدعى على الفور بعد انتهاء مجلس الوزراء أحد مستشاريه وكلّفه بزيارة سيد بكركي من قبله واستطلاع موقفه من قضية بناء المسلخ ومعرفة أسباب الاعتراض إذا كان من اعتراض.
صباح اليوم التالي، زار موفد رئيس الحكومة الصرح البطريركي وفاتح سيده بالموضوع محاولاً معرفة رأيه منه. وعاد الموفد بانطباع مفاده أن البطريرك صفير غير مرتاح للخطوة ربما لأنها غامضة بالنسبة إليه، وخصوصاً لجهة إعادة الوضع الصحي والبيئي والاجتماعي في منطقة الكرنتينا إلى ما كان عليه قبل اندلاع الحرب سنة 1975. فأعاد رئيس الحكومة إرسال موفده إلى بكركي برفقة أحد المهندسين المقرّبين إليه لشرح المشروع بالتفصيل مع الخرائط والدراسات والجدوى الاقتصادية والشروط الصحية والاجتماعية الواجب احترامها، إلى ما سوى ذلك من أدلة على أن المشروع مشبع بالدرس وعلى أن من مصلحة البلاد السير في المشروع والاستفادة من الهبة العربية.
ويتساءل المصدر عما إذا كان من يوقف مشروعاً مدروساً إلى هذا الحد في قضية إدارية بحتة لا ترتّب أعباء على الدولة ولا تبعات سيئة لها على أحد من أجل أن يحصل على موافقة البطريرك الماروني، مستعداً لاتخاذ قرار مرتبط تمام الارتباط بالمرجعيات الكنسية من دون العودة إليها واستمزاج رأيها والحصول على موافقتها. ولفت إلى أن مواقف الوزراء المسيحيين بعد جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين تؤكد أن لا مسؤولية لتيار «المستقبل»، من قريب ولا من بعيد، عن قرار إلغاء عطلة يوم الجمعة العظيمة، لا بل بات ثمة اتجاه لاعتبار الجمعة العظيمة واثنين الفصح عطلة رسمية.
مهما يكن من أمر هذه الأزمة العابرة فإنها تدل في ما تدل إلى أن الحكومة الحالية تعاني في الواقع أزمة تمثيل مسيحي حقيقية وعميقة تجعل من جميع الأطراف في الموالاة كثيري الحساسية باتجاه تأكيد صحة تمثيل المسيحيين فيها. ولو كان من أعضائها الرئيس كميل شمعون أو رئيس حزب الكتائب اللبنانية بيار الجميل أو عميد حزب الكتلة الوطنية ريمون إده، فهل كانت أُثيرت مشكلة لو أن الحكومة ألغت عطلتيْ الجمعة العظيمة واثنين الفصح معاً؟