strong>غسان سعود
وجوه صحافية شابة قليلة توزعت قبالة تمثال الشهداء في وسط بيروت تبحث عبثاً عن زملاء لم يهتموا لذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي دعت مؤسسة مهارات إلى إحيائه أمس في ساحة الشهداء.
اقتصر الحضور الرسمي على وزير الإعلام غازي العريضي وممثلين عن المنبر الديموقراطي وبضعة إعلاميين كان هدفهم التغطية لا المشاركة بالنشاط. وسرعان ما ابتعد هؤلاء عن المنصة ليبدأوا نقاشاً خاصاً. يؤكد أحدهم أنّ التضييق على الكلمة يستمر من دون اكتراث المعنيين، وهذه التحركات مجرد مضيعة للوقت. كلام يثير تأييد غالبية الموجودين، ويثني عليه آخر، مشيراً إلى عدم شعور الصحافيين بصدى كلماتهم أو منفعة لجهدهم، فيستسلمون للروتين، وتتحول كلماتهم إلى مجرد تكرار غير مؤثر في المجتمع.
في المقابل، يعدّد أحد الصحافيين مجموعة أسماء صحافية لينتهي بالإشارة إلى محافظة البعض على حماستهم، ويحضهم على الحوافز ومطاردة أهداف جديدة باستمرار. ويشير زميله إلى رحيل بعض أصحاب الكلمة الحرة، فيما يظل صدى كلماتهم مدوياً وحروفها تتجدد يومياً عبر أقلام تلامذتهم.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، غابت نقابة الصحافة، وكادت الذكرى تسقط سهواً لو لم تبادر مؤسسة مهارات كعادتها منذ سنتين إلى إحياء هذا اليوم عبر إطلاق حملة شعبية للمطالبة بتطبيق مبدأ «عدم الإفلات من العقاب لقتلة الصحافيين في لبنان». ولاحظت الزميلة رولا مخايل من مؤسسة مهارات أنّ متابعة ظروف استشهاد الصحافيين طوال السنوات الماضية تظهر سقوطهم واحداً تلو الآخر من دون أن يكشف النقاب عن قتلتهم. ورأت أنّ حرية الصحافة في لبنان تعرضت خلال العامين الماضيين لانتكاسة كبيرة، داعية إلى رفع الصوت عالياً للمطالبة بالحقيقة أيضاً لأصحاب الكلمة الحرّة.
بدوره لفت الإعلامي وليد عبود إلى تحول مهنة الصحافة أكثر فأكثر إلى مهنة محفوفة بالأخطار. وناشد معرفة من استهدف رموز الاستقلال والحرية والتحرر، لأن القيد بحسبه، لا ينكسر نهائياً ما لم يفضح الجلادون. كما ألقى الدكتور وليد قصير كلمة باسم عائلة سمير الذي زرع، بحسب مخايل، الانتفاضة، فحصدوه بعدما ضاقوا ذرعاً به «وهو الصحافي الثائر، المستشرق، المثقف والمؤرخ». أما كلمة عائلة جبران تويني فألقاها الزميل أنطوان جرمانوس بالنيابة عن ميشال تويني.
ثم ذكّر مدير مكتب منظمة العفو الدولية في لبنان أحمد كرعود بمواقف المنظمة التي دعت لبنانياً منذ لحظة وقوع الجرائم إلى البدء بتحقيق فوري ومستقل ومحايد للتوصل إلى معرفة الفاعلين، ومن يقف وراءهم.
كما تحدث كرعود عن مشاركة سمير قصير عام 1997 في ندوة عقدت في بيروت لإطلاق التقرير الأول لمنظمة العفو الدولية حول لبنان، في وقت كان الناس يتوخون فيه الحذر الشديد إزاء الارتباط بالمنظمة أو انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان.
أما وزير الإعلام غازي العريضي فتحدث وعيون سمير قصير تطل من ورائه عن معنى الشهادة، وخصوصاً تلك التي تكون في سبيل حرية الكلمة وحفاظها على قوتها. وأكد العريضي أن سمير قصير لا يزال الأكثر حضوراً وكتابه يستمر مفتوحاً على صفحات هي الأكثر عمقاً في قراءة الواقع اللبناني واستشراق المستقبل.
ونوه العريضي بقلم جبران تويني الذي لم ينكسر، وإرادته التي ورثها شبان كثر. وقال إن التهديد والوعيد والتخوين عبر الوسائل الإعلامية هو اعتداء على الحرية لا يمت بصلة لحرية الكلمة.
وانتهى اللقاء بإطلاق حملة جمع التواقيع المؤيدة لمبدأ «الحق في ضرورة كشف ملابسات جرائم مقتل الصحافيين في لبنان وعدم إفلات مرتكبيها من العقاب».
وكان مركز الأمم المتحدة للإعلام في بيروت قد وزع رسالة عبّر فيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن استيائه من حادث اختطاف الصحافي آلان جونستون التابع لهيئة الإذاعة البريطانية في الأراضي الفلسطينية، فيما ستحتفل منظمة اليونسكو في ميديللين (كولومبيا) باليوم العالمي للصحافة في احتفال يقام خلال اليومين المقبلين يتضمن تسليم الجائزة العالمية لحرية الصحافة للزميلة الروسية آنا بوليتكوفسكايا بعد وفاتها. فيما وزعت «لجنة حماية الصحافيين» تقريراً أظهر أن 580 صحافياً قتلوا خلال أداء مهامهم بين كانون الثاني 1992 وآب 2006، 71.4% منهم تعرضوا للاغتيال، و18.4% قضوا أثناء عمليات تبادل لإطلاق النار أو في ظروف مرتبطة بالقتال، مقابل 10% قتلوا خلال تأدية مهام خطيرة.
وأشار التقرير إلى أن العاملين في الصحافة المكتوبة هم الأكثر تعرضاً لخطر الموت. كما أفادت لجنة حماية الصحافيين بأن 85% من جرائم القتل التي استهدفت الصحافيين خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة لم تكن موضوع تحقيقات أو ملاحقات قضائية. وفي 7% فقط من الحالات التي كانت موضع تحقيق وملاحقة وإدانة، سيق المعتدون أمام العدالة.
ويثبت العدد الكبير للقتلى في صفوف الصحافيين والإفلات من العقوبة التي غالباً ما يتمتع بها مرتكبو هذه الجرائم، بحسب التقرير، ضرورة تعزيز التزام المجتمع الدولي بحماية الصحافيين، علماً بأنه جرى اعتماد قرارين بهدف مكافحة هذه المسألة: القرار 1738 الصادر عام 2006 عن مجلس الأمن الدولي، والقرار الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو عام 1997. وهو يدين الاغتيالات وأعمال العنف المرتكبة ضد الصحافيين بوصفها جرائم ضد المجتمع، ويوصي بأن تتخذ الإجراءات اللازمة لإنهاء حال الإفلات من العقوبة لدى ارتكابها.
بدورها عزت الحكومة الأردنية، عشية يوم حرية الصحافة، قرار وقف طباعة صحيفة «المجد» الأردنية الأسبوعية الأحد الفائت إلى «نية الصحيفة نشر أخبار تمس أمن الوطن ومصالحه». فيما قررت محكمة مصرية سجن صحافية في قناة الجزيرة الفضائية القطرية لمدة ستة أشهر بتهمة الإساءة إلى سمعة مصر عن طريق تزييف شرائط فيديو لمشاهد تعذيب في أقسام الشرطة.