رامي بليبل

تفوق الأضرار التي سبّبها العدوان مليون دولار أميركي... والعمل ينتظر التعويضات

في 3 آذار 2002 وافق المجلس الأعلى اللبناني السوري على إقامة سدّ على مجرى نهر العاصي في لبنان. وشكلت هذه الموافقة الترجمة العملية لاتفاق مياه نهر العاصي الذي يقسم المياه بين لبنان وسوريا ووُقّع عام 1994 وأعطى لبنان حق التصرّف بكمية تصل إلى 80 مليون متر مكعب، أي بنسبة 20% من الحجم الإجمالي لكمية تصريف مياه النهر وتدخل ضمنها الكميات المستثمرة حالياً والينابيع المحيطة والآبار المجاورة له التي تستخدم للشرب والري. وقد وُضع عام 1997 ملحق للاتفاق الأساسي قضى باعتبار أحواض اليمّونة وجباب الحمر وعيون أرغش أحواضاً مقفلة وأجاز للبنان استثمار كل كمية مياه نبع اللبوة، حيث قامت وزارة الطاقة والمياه ــ المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية بتلزيم أعمال المرحلة الأولى من مشروع السدّ الجاري الآن تنفيذها.
بعد ثلاثة أعوام، في 12 آذار 2005، بوشرت أعمال الحفر الخاصة بالسد واستمرّ العمل لمدة أربعة أشهر توقّف بعدها بسبب خلافات على استملاكات الأراضي وطالت فترة التوقف ثلاثة أشهر. وعندما بوشر العمل للمرة الثانية توقف مجدداً بسبب حلول فصل الشتاء وذلك حتى شهر آذار 2006، ولم يتوقف إلا مع العدوان الإسرائيلي الأخير الذي سبب أضراراً كبيرة في المنشآت المنفّذة لا تتيح العودة إلى العمل قبل معرفة حجم التعويضات التي ستُدفع، وتحديد الجهة التي ستعوّض.
هذا الوضع يجعل مصير السدّ مجهولاً في ظلّ إصرار الشركة المتعهدة على الحصول على تعويض مقابل الخسائر التي تكبّدتها شرطاً لاستئناف العمل من جهة، ورفض وزارة الطاقة والمياه تحمّل المسؤولية، من جهة أخرى، تحت عنوان عدم وجود أي أساس قانوني يلزمها بذلك.

المشروع ــ الحلم

ورث أهالي الهرمل أباً عن جد حلم بناء سدّ كبير على نهر العاصي ينتشل المدينة الغارقة في الحرمان وقرى البقاع الشمالي وبلداته المحيطة بها من الفقر والعوز. وعندما تواتر إليهم أن الحلم سيتحقق استفاقوا على واقع «يقزّم» هذا الحلم، لأن عملية التلزيم ومباشرة العمل جاءتا وفقاً لدراسة «مشوّهة وناقصة» تفتقر إلى أهم عنصرين هما الجدوى الاقتصادية والأثر البيئي، ولا تراعيان الجوانب السياحية والزراعية وإنتاج الطاقة بالشكل المطلوب، بل إن ما يحصل هو هدر للمال بدل أن يكون تصحيحاً لموقع الهرمل اقتصادياً واجتماعياً على خريطة الوطن. إذ يقضي المشروع الحالي بإنشاء سدّ صغير تحويلي متحرك بارتفاع يبلغ نحو عشرة أمتار بسعة /37/ مليون متر مكعب، يقع على مسافة خمسمئة متر من منبع النهر. ويوفر المشروع مستوى مياه ثابتاً في مجرى النهر بغية تحويل قسم منها نحو منشآت الضخ التي ستُقام إلى جانبي السد وتضم محطتي ضخ وخزاني مياه مطمورين ومضخات غاطسة داخلهما ومحطة ضخ مركزية أخرى على الضفة اليمنى منه، إضافة إلى القساطل التابعة لها.
وكان إقرار المشروع ومباشرة تنفيذه جاءا في جوّ من الاعتراض والرفض من قبل عدد كبير من أبناء المنطقة وفعالياتها الذين نظّموا الاعتصامات واعتبروا ما يحصل إجهاضاً لمشروع السد الكبير الذي كان يُعوّل عليه في تحقيق النهضة التنموية المطلوبة. ويؤكد كثيرون أن أكثر من دراسة أكدت الإمكانية الحقيقية لإنشاء السدّ بمحاذاة بلدة الشواغير بسعة تصل إلى 80 مليون م3 وبقدرة على إنتاج حوالى 50 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، وبحيرة كبيرة جداً، ولري الأراضي الزراعية بالجاذبية وبفارق للكلفة لا يتجاوز خمسين مليون دولار أميركي.
وطرحت الدراسة الكثير من التساؤلات والملاحظات التي تناولت عدالة اتفاق المياه بين لبنان وسوريا، وتالياً حجم السد الذي يجري إنشاؤه. وتركّزت الملاحظات أولاً على الاتفاق وطالت على سبيل المثال احتساب مياه بعض الينابيع من أصل حصة لبنان وهي لا تصب في مجرى النهر.
وعلى رغم ذلك، وإيماناً من الأهالي بالمشروع فقد تحمّل المزارعون توقّف أعمالهم بسبب مباشرة بناء المنشآت قيد التنفيذ. يقول المزارع محمد علاء الدين الذي يملك حقلاً مجاوراً للسد: «رضينا بالمصيبة والمصيبة ما رضيت فينا، بعد انتظار دام عقوداً كان خلالها إنشاء سدّ كبير على النهر حلماً، تحول هذ الحلم إلى مجرد مشروع لري نحو سبعة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، ما أحدث صدمة كبيرة لجميع أبناء المنطقة وفتح باب الجدل على مصراعيه في الجدوى من إنشاء سدّ وفقاً للمواصفات التي انتهى إليها».
يتابع علاء الدين «إن الأمر الأكثر مأساوية لم يكن التقزيم الذي طال مشروع السدّ فقط، بل توقّف العمل بعد نحو سنة من بدئه إثر الكارثة التي حوّلت ما أُنشئ إلى ركام متناثر وحفرٍ ومستنقعات تشكل محطة نموذجية للطيور المهاجرة».
ويوضح رئيس المجلس البلدي لمدينة الهرمل مصطفى طه أنه نظراً إلى مباشرة أعمال المرحلة الأولى من مشروع السدّ، فإن الأمر انتقل من المقارنة بين مشاريع مختلفة له إلى المطالبة بالإسراع في إنجاز الأعمال والعودة الفورية لمباشرتها لأن «إنجاز السد وبغض النظر عن حجمه أصبح أحد أهم المشاريع الإنمائية التي تخفف من وطأة الحرمان الذي تعيشه المنطقة ويُعوّل عليه في إطلاق الحركة الاقتصادية فيها».

في انتظار التعويض

يؤكد صاحب مؤسسة حطاب، المتعهدة أعمال المرحلة الأولى في مشروع السد بالتعاون مع شركة C.W.E الصينية، محمود الحطاب أن أضراراً كبيرة أصابت المعدّات التي تستخدم في عملية بناء السد ومنشآته، ما أجبر المؤسسة على وقف الأعمال. ويوضح أن الإدارة المختصة والاستشاري قاما بالكشف على الأضرار فتبين أنها «فاقت مليون دولار أميركي، ناهيك بتلك التي لم يتم حتى الآن التأكد من حجمها في المنشآت الموجودة تحت المياه في انتظار تحويل مجرى النهر». كلّ هذا يحول دون قدرة المؤسسة على استئناف الأعمال بانتظار التعويض وخصوصاً «أن الأمر كان أشبه بكارثة طبيعية غير متوقعة».
ويؤكد حطاب أن التعويض عن الخسائر يقع ضمن مهمات «الهيئة العليا للإغاثة» والإدارة المعنية، أي وزارة الطاقة والمياه، وقد «وصل الأمر بنا إلى الطلب من الوزارة مجرد التوقيع على تعهد بالتعويض عن الخسائر لاحقاً لاستئناف الأعمال، لكن من دون جدوى، وما زال الأمر مسار جدلٍ قانوني مع الوزارة في حق الحصول على التعويض والسعي إلى توفير تلك المبالغ عبر الجهات العربية والدولية التي تساعد لبنان لتجاوز النتائج المدمــــــــرة للعدوان الإسرائيلي».
من جهة أخرى، تقتصر إجابة المدير العام لوزارة الطاقة والمياه الدكتور فادي قمير عن السؤال عن تاريخ استــــــــــــئناف العمل ضمن المرحلة الأولى، على التأكيد أن ذلك «يرتبط بالانتهاء من تقويم الأضرار» من دون أن يحدد مــــــــــهلة زمنية لذلك، ومن دون أن ينفي مسؤولية الوزارة أو «الهيئة العليا للإغاثة» عن التعويض. ويشدد قمير على أن «الوزارة تسعى لإنجاز أعمال المرحلة الأولى ضمن المهلة التــــــــــعاقدية والقانونية التي تنتهي بتاريخ 31/8/2008! فهل هذا ممكن؟




خمسون عاماً... وأكثر

يترك حسن منزله صباح كل يوم متوجهاً نحو أرضه المحاذية لنهر العاصي، يجلس تحت شجرة الزيتون العتيقة منتظراً لحظة بلحظة سماع هدير محركات الآليات المتوقفة في أرض مشروع سد العاصي، لكن عبثاً، «فللسياسة في السدّ أكثر ما للإنماء» يقول.
يستطرد حسن: «منذ خمسة أشهر أسلم أبي الروح تحت شجرة الزيتون هذه، وفي يده حفنة من التراب اليابس. كنت أعرف أنه كان يمنّي النفس بأن تُروى أرضنا يوماً من مياه السدّ، فلطالما أسرّ إلي بأمنيته تلك التي كانت أمنية أترابه المزارعين منذ أكثر من خمسين عاماً». ويتابع بحسرة: «كل عمرنا هيك من تحت الدلفة لتحت المزراب، يبدو أننا سننتظر خمسين سنة جديدة وسنورث حلمنا إلى أبنائنا من جديد! لا أحد يريد أن ننتعش وتنمو أراضينا ونعيش بكرامة وراحة وطمأنينة. لقد استملكت الأراضي «ببلاش» بحجة إقامة السد، حرمنا استخدام دونمات من أرضنا أيضاً بحجة السد، أما مشروع السد فهو وإن انطلقت عجلته المربعة يقبع في الأدراج وينتقل من غرفة إلى أخرى ومن طابق إلى آخر حتى يصل إلى المستودع ويضيع الحلم ونضيع معه، وكله بالسياسة فهل سيسمع صوتنا وينظر في أمرنا؟ نأمل ذلك».




المراحل الثلاث للمشروع

تشمل المرحلة الأولى من المشروع إنجاز السدّ التحويلي وثلاث محطات ضخ، إضافة إلى خزانات لجمع المياه وخطوط الجر التابعة لها. ويوضح المدير العام لوزارة الطاقة والمياه الدكتور فادي قمير أن المرحلة الثانية «هي عبارة عن إنشاء سدّ تخزيني بسعة 37 مليون متر مكعب بارتفاع 65م وطول عند قمة السد يصل إلى 700م وبحيرة بمساحة 250 هكتاراً، ويقع على بعد 4.5 كلم من السد التحويلي». والجدير بالذكر أن هذه المرحلة هي قيد التلزيم في إدارة المناقصات وكان من المفترض أن تُلزّم ابتداءً من تاريخ 19/3/2007 ليصار بعدها إلى توفير الاعتمادات الضرورية ومباشرة التنفيذ الذي قد يتطلب مدة خمس سنوات، لكن الأمر لم يتم حتى هذه اللحظة.
أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي عبارة عن إقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالقرب من السد التخزيني وبقدرة تراوح بين 6 و8 ميغاوات، إضافة إلى شبكة حديثة للري موزعة على ضفتي النهر.
لكن د. قمير يشير إلى أن البدء بالاستفادة من المرحلة الثالثة للمشروع يتطلب إنجاز أعمال الضم والفرز لأراضي منطقتي القاع والهرمل كي يصار إلى تحديد المالكين، وبالتالي استثمار مياه المشروع.