عين الحلوة ـــ خالد الغربيالرشيدية ـــ بهية العينين

روايــة الأجــداد في عيــن الحلــوة وأمثولــة الأســرى في الرشيــديــة

نكبة فلسطين بكل مأسوية مشهدها كانت حاضرة، أمس، داخل مخيمات اللاجئين. بعيون دامعة تحكي قصة التشرد لأجدادهم، سار مئات الأطفال في مخيم عين الحلوة دروب جلجلة آلام الأجداد وعيون حائرة غائرة اختصرتها حدقة عين الطفلة فاطمة خضر موسى التي قالت بـ«العلم والسلاح والنضال» تعود لنا فلسطين.
واحد وعشرون ألف يوم ونيّف هو عمر النكبة، والمعاناة مستمرة. وفي الذكرى التاسعة والخمسين أحيا اللاجئون في مخيمي عين الحلوة والرشيدية النكبة بعيداً عما يشهده مخيم عين الحلوة من اغتيالات واشتباكات وحروب الأحياء والقنابل اليدوية، وبعيداً عما تشهده غزة من عنف واقتتال داخلي دموي.
في عين الحلوة، أطلق الأطفال صرخاتهم وانتظموا أفواجاً يربون على 350 طفلاً وطفلة تتراوح أعمارهم بين 3-6 سنوات من 12 روضة وعبّروا عن غضبهم وحملوا ما حمله الأجداد من أدوات ومفاتيح وأوراق الطابو التي تثبت ملكية الأرض والبيوت، بدعوة من المؤسسات والجمعيات الأهلية والتربوية في عين الحلوةوفي زمن النضوج مع الصغار الذين صقل التشرد موهبتهم فتفتّح وعيهم باكراً، يفاجئك هؤلاء بحس نضالي مرهف. يقول الطفل ابراهيم معروف (5 سنوات) من روضة السنابل «بدنا نعيش أحرار بدنا فلسطين، وإسرائيل المعتدية أخذت لنا بلادنا لكننا سنرجعها، وأنا مش إرهابي بس بدي أوّص الإسرائيلية». أما الطفلة هبة أبو سالم فتقول «جربنا المفاوضات. المهم كيف تعود لنا أرضنا». لكن هذه الطفلة التي لم تتجاوز الست سنوات تكوّن رأيها الخاص فتقول «برأيي الخاص إن فلسطين لن تعود إلا بالبندقية ولا تسترد إلا بالقوة»، بينما يؤكد الطفل ياسين محمد فارس «إننا لن نقبل بالتوطين وبدنا حق العودة».
وما قام به الأطفال في تجسيد معاناة التشرد وبـ«الواسطة»، يحدثنا عنه نايف الخطيب «أبو مأمون» المولود في فلسطين عام 1921 الذي يمسح فمه بيده بعدما أنهى تناول كسرات خبز كان يغمسها باللبنة البلدية الفلسطينية في «روتين غذائي» يمارسه كجزء من الحفاظ على الذاكرة الجماعية، يتريث أبو مأمون في عرض ما حمله من صكوك بيع وفواتير وإيصالات ضرائب عما يملكه في رأس الأحمر، لكنه فتح خزانته مفرجاً عن عشرات الأوراق البالية، متذكراً قصة كل واحدة منهاويشير أبو مأمون إلى أن له جيشاً من الأحفاد، 45 حفيداً، يلقّنهم دوماً «قضية فلسطين وأرضنا التي اغتصبها اليهود بفعل المؤامرة»، لكي لا ينسى هؤلاء فلسطين، موصياً، لكونه في شتاء العمر أنه إذا أخذ الله أمانته، بأن تنقل رفاته إلى بلدته رأس الأحمر في الجليل الأعلى.
وفي مخيم الرشيدية، اختارت مؤسسة بيت أطفال الصمود ذكرى النكبة فلسطين عبر معرض فني برعاية عميد الأسرى سمير القنطار تحت شعار «علّمونا التشبث بالأرض».
الزميل بسام القنطار الذي افتتح المعرض أكد «أن الأسرى والمعتقلين اللبنانيين والفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي يشكلون نموذجاً نضالياً وإنسانياً للتشبث بالأرض والوطن لأنهم رسموا الطريق الصحيح لمقاومة الاحتلال والعودة».
وأضاف «لقد وقف سمير القنطار عام 1979 أمام القاضي الإسرائيلي الذي أطلق عليه حكماً تصل مدته إلى 542 عاماً، وقال له: لا تهمّني مدة الحكم. المهم بالنسبة لي أن الشعب الفلسطيني لن يحتاج إلى 500 عام لكي يعود إلى هذه الأرض، متمنياً أن يأتي العام المقبل ليكون عام الحرية لجميع الأسرى».
مديرة مركز بيت أطفال الصمود في الرشيدية مريم سليمان أعلنت أن المعرض سيستمر لأسبوع، وهو نتاج جهد كبير بذله 35 من أفراد المؤسسة، إضافة إلى مشاركة الفنانة الفلسطينية إيمان عبيد التي رسمت مجموعة من اللوحات المعبرة عن الواقع الفلسطيني بكل أحزانه وأفراحه واستطاعت أن تصوّر بكل واقعية قصة اللجوء والمعاناة والانتظار لدى الفلسطينيين الذين ينتظرون حلم العودة إلى أرضهم.
تجدر الإشارة إلى أن مخيم البص في صور شهد ندوة بالمناسبة، تحت عنوان «حتماً سنعود» وشعار رفض التوطين والتمسك بالانتفاضة والمقاومة في نادي النضال بدعوة من الحزب السوري القومي الاجتماعي وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني. كما أقامت لجنة حق العودة في مخيم البداوي في الشمال مخيماً رمزياً ضم معرضاً للصور والمقتنيات، إضافة إلى رسوم وشعارات تراثية، كما أقامت حركة «حماس» معرضاً فنياً وتراثياً أمام مركز «الأونروا».