بنت جبيل ـ داني الأمين
ينكبُّ أساتذة وطلاب متطوعون من كلية الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت على إعداد الرسوم والخطط الهندسية لترميم بنت جبيل القديمة، بالتعاون مع بلدية المدينة. وقد شارك أهالي بنت جبيل بكثافة وحماسة في اللقاء الذي نظمه المتطوعون لإطلاعهم على ما أُنجز لإعادة بناء منازلهم القديمة، وحاول كل منهم مناقشة ما أُعدّ لمنزله من تصميم. وكان الطلاب قد وضعوا التصاميم للبيوت والأحياء التراثية، بما يحفظ أصالتها وبنيتها العمرانية القديمة. وعرض أستاذا الهندسة في الجامعة الأميركية، هويدا الحارثي وحبيب دبس، تفاصيل العمل، فيما شرح مدير المكتب الفني المشرف على إعادة إعمار المدينة القديمة المهندس ناصر شرف الدين الخطة الهندسية المراد تنفيذها. وتحدث كل طالب عن تصميمه الخاص مع أصحاب المنازل القديمة المنوي إعادة بنائها أو ترميمها.
وتوضح المتخصصة في العمارة الإسلامية في الجامعة الأميركية الدكتورة هويدا الحارثي «أنّ عملنا التطوعي انطلق بعد جولة على بنت جبيل القديمة ورؤيتنا للجرافات التي تقضي على ما بقي من الأبنية التراثية القديمة، فعملنا سريعاً على وقف أعمال الجرف، وكان علينا إقناع الأهالي والمسؤولين بأهمية الحفاظ على ذاكرة المدينة وتراثها، ثم أعددنا تصوراً بديلاً يحافظ على التراث، مع الأخذ بعين الاعتبار المشكلات الخاصة بالملكية العقارية لأصحاب المنازل القديمة». وتقول:«وزعنا العمل على 17 طالباً من الجامعة الأميركية يدرسون فنون الهندسة المعمارية، فجاء المشروع جزءاً من العمل الأكاديمي». وتؤكد الحارثي أن بلدية بنت جبيل والمسؤولين السياسيين في المنطقة دعموا العمل وناقشوه، وقدموا المعلومات اللازمة وإضافة أفكار جديدة. أما الدكتور حبيب الدبس فيشير إلى أنّ «المشكلة التي واجهت الطلاب هي خلو المنازل القديمة من سكانها بسبب الحرب والدمار، والمشروع يحتاج إلى مساعدتهم والأخذ بآرائهم وتصوراتهم. كما جرف البعض ما بقي من منزله بسبب عدم تقدير التعويض الجيد على المنازل غير المهدمة. لذا جرت محاولات لإقناع الحكومة القطرية بضرورة أخذ ذلك بالحسبان، وهذا ما حصل، ما خفّف من عملية الهدم». ويؤكد الدبس أنه تم مسح كل المنازل التراثية القديمة وحُدّدت جميع المنازل على الخريطة الهندسية، ليتبين لنا ما يجب هدمه وما يجب إبقاؤه، وأهم ما أُنجز حتى الآن هو اقتناع الأهالي بضرورة الحفاظ على ذاكرة مدينتهم الجميلة. وتلفت الطالبة المتطوعة ليا الحلو إلى أنها اختارت اثنين من الأحياء السكنية القديمة، ووضعت تصوراً هندسياً خاصاً بشكل «يحافظ على البنية المعمارية القديمة وتقاليد الأهالي وعاداتهم، فتركت بصمات الأهالي ورغباتهم أيضاً وما يريدونه من تعديلات». أما شرف الدين فيقول: «هدفنا تسهيل أمور الناس، وما نطرحه الآن من أفكار هو قابل للتعديل، لأنّ الهدف الأساسي هو إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي والثقافي وإعطاء الناس حقوقهم ومحاولة الأخذ بآرائهم ورغباتهم ضمن إطار المصلحة العامة ورفع القيمة العمرانية للأمكنة المتضررة». ويضيف: «لكن ما قد يعوقنا هو عدم الإسراع في دفع التعويضات، ومراعاة الكلفة العالية التي قد تحتاجها بعض الأبنية للحفاظ على أصالتها»، ويؤكد نائب رئيس بلدية بنت جبيل زياد بيضون أنه «يعمل على التخلص من المشكلات الخاصة بالملكية العقارية الناجمة عن الارث، وهناك تجاوب من الأهالي الذين نحاول إقناعهم بضرورة عدم الاستغناء عن منازلهم القديمة، لأنّ البيت التراثي يحتاج إلى الحياة». ويشدد المسؤول المباشر عن إعمار بنت جبيل هيثم بزي، في هذا الإطار، على «أنّنا نحاول تسهيل جميع المعاملات العقارية ونعطي مغريات لكل من يريد السكن في المدينة القديمة لكي تبقى المنازل القديمة تعج بالحيوية والحياة».