ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد، على كل من سيظهره التحقيق بالتورط في جريمة التفجير التي حدثت منتصف ليل أول من أمس في الأشرفية. وعلمت «الأخبار» من مصدر أمني رفيع أن العبوة تزن عشرين كيلوغراماً من المواد المتفجرة، وأنه لم يعرف حتى الساعة إذا ما كانت العبوة قد وضعت تحت السيارة أم داخلها. وأشار المصدر إلى أن الانفجار أحدث حفرة قطرها ثلاثة أمتار وبعمق متر ونصف متر، من دون تأكيد علاقة فتح الإسلام بالحادثة. ورأى أن مفتعلي التفجيرات السابقة قد يكونون استغلوا أحداث مخيم نهر البارد نهارالأحد، ليعاودوا محاولات التخريب التي انتشرت في الفترة الماضية.وطلب القاضي فهد في ادعائه محاكمة الفاعلين استناداً إلى المواد 335، 549، 549/201، 733، 595 من قانون العقوبات والمادة 72 قانون أسلحة، إضافة الى المادتين 5 و6 من قانون 11/1/1958، الذي يحوّل المتهمين فوراً الى المحكمة العسكرية. وتشمل المواد المذكورة سلسلة من الجرائم منها الأعمال الإرهابية والقتل وحيازة مواد متفجرة والتعرض لهيبة الدولة وتخريب الأملاك العامة والخاصة، وهي جرائم حدّدها قانون العقوبات بأنها تمس بأمن الدولة وتصل عقوبتها القصوى الى الإعدام. كما أحال فهد الادعاء الى قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر الذي سطّر استنابات قضائية للتحري والاستقصاء عن الفاعلين والمحرضين والمتدخلين والمشتركين وإلقاء القبض عليهم وسوقهم الى دائرته. وترأّس مزهر اجتماعاً أمنياً في مكتبه حضره فهد وقادة الأجهزة الأمنية في مديرية مخابرات الجيش والأمن العام وأمن الدولة وقوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات فضلاً عن خبراء عسكريين، جرى خلاله التداول في المعلومات المتوافرة عن الجريمة وسبل التوصل الى كشف ملابساتها.
انفجار الأشرفية، الذي أدى إلى استشهاد المواطنة ليلى مقبل (63 عاماً) عندما انهار عليها جدار في منزلها المجاور للمركز التجاري (أ ب ث) وإصابة عدد من الجرحى، أثار احتجاج السكان على مسلسل التفجيرات الذي اتّخذ من منطقتهم مسرحاً ومرتعاً له، ليحصد في كل مرة قتلى وجرحى وخسائر مادية مختلفة من سيارات وبيوت ومحال ومراكز تجارية يتساءل أصحابها عن الجهة التي ستعوّض لهم عن خسائرهم. تجدر الإشارة الى أن تفجير أول من أمس هو الرابع في هذه المنطقة بعد حوادث عام 2005 الذي شهد اغتيال الزميل سمير قصيرفي 2/6 وانفجاري مونو 22/7 والجعيتاوي 16/9، إضافة الى عثور القوى الأمنية في 22/2/2007 على أصابع «تي ان تي» غير معدة للتفجير.
وكان انفجار أول من أمس قد حوّل حي «مار متر» في الأشرفية من منطقة تعجّ بروّاد أماكن السهر والتسلية إلى بقعة منكوبة يحاول سكانها البحث عن مساكن مؤقتة إلى حين انتهاء عمليات الترميم وإصلاح الأضرار التي لحقت بمنازلهم جراء الانفجار الذي استهدف ليل الأحد الماضي «ملعب السلام» (موقف سيارات) المجاور لمجمّع الـABC. مشهد اعتاده اللبنانيون: عائلات تلملم ما بقي من ممتلكاتها، زجاج متناثر في كل أرجاء الحيّ، شبابيك وأبواب مخلّعة، سيارات محروقة وأخرى متضررة جزئياً، محال تجارية تأذّت.
ضربت قوى الأمن الداخلي طوقاً أمنياً وهمياً في محيط مكان التفجير، إذ لم تمنع عناصرها أي شخص من الاقتراب من الموقع حتى الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس، ولم يجر أي تدقيق في هويّة متفقّدي الأضرار. إلا أنّ العناصر الأمنية شدّدت طوقها الأمني على «ملعب السلام»، مانعةً الوصول إلى الجزء الأكثر تضرراً حيث سقطت الشهيدة ليلى مقبل.
لم تفلح تصريحات المسؤولين السياسيين والروحيين في تهدئة أجواء التوتر والغضب في النفوس، فطغت عبارات مثل «استهداف المناطق المسيحية»، و«باقون، ثابتون في الأشرفية»، و«يد الغريب» وغيرها. ولكن بعيداً من «فورات الدمّ»، ثمّة من أطلق دعوات للخروج من الزواريب السياسية الضيّقة والعصبيات الطائفية وللوقوف يداً واحدةً في وجه هذه الأعمال الإرهابية، فـ«استهداف الأشرفية رسالة لكل اللبنانيين، لا لأهالي المنطقة فقط».
ولفت معظم المتضررين إلى اهتمام السياسيين والإعلاميين بـ«حجم الخسائر اللاحقة بالـABC» وعدم إعارة خسائرهم المادية والبشرية الاهتمام اللازم، وتساءلوا كالعادة «عمّن سيعوّض الخسائر».
وفي ردود الفعل، دعا وزير الثقافة وزير الخارجية بالوكالة طارق متري، بعد زيارته متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، الحكومة الى «أن تبادر بسرعة، وأن تتحمّل مسؤولياتها تجاه مواطنيها»، بما يحفظ لبنان من «الاضطراب الذي يهدّده».
ووصف النائب غسان تويني الحادث، بعد لقائه عودة، بعبارة واحدة: «هذا عمل بربري يهدّد حياة الأولاد والأطفال وموجّه ضد جيل طالع».
ودان الوزير السابق بشارة مرهج الاعتداء «الآثم»، ووضعه في خانة «الاعتداء على جميع اللبنانيين». ورأى رئيس «حركة التجدّد الديموقراطي» النائب السابق نسيب لحود، أن الردّ الوحيد على «المخطّط الإرهابي» هو «التمسّك بمشروع قيام الدولة السيّدة المستقلّة في وجه محاولات إبقاء لبنان ساحة مستباحة للنفوذ الخارجي».
ودعا رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر اللبنانيين الى «التوحّد من أجل حماية لبنان من المخاطر المحدقة به وبشعبه».
ورأى رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري «أن التفجير الإرهابي الجديد الذي تعرضت له منطقة الأشرفية العزيزة، لا ينفصل عن التفجير الإرهابي الذي استهدف مدينة طرابلس ومناطق الشمال». ونبّه «إلى أن رأس الفتنة معروف جيداً»، مؤكداً «أن وحدة اللبنانيين وراء دولتهم وجيشهم الوطني، هي السبيل الوحيد لرد هذه الهجمة الإرهابية، والأشرفية كانت وستبقى عنواناً للوعي والوطنية وحماية القانون، ونحن معها لن نخلي الساحة للمجرمين القتلة ولأولياء نعمتهم والقائمين على تنظيمهم ودعمهم وانتقالهم إلى الأراضي اللبنانية».
(الأخبار)