إبراهيم عوض
أثنى السفراء العرب المعتمدون في لبنان على مبادرة الرئيس فؤاد السنيورة بدعوتهم الثلاثاء الماضي الى السرايا الحكومية «لإطلاعهم على تطورات الأوضاع في لبنان، وما يجري في مخيم «نهر البارد» والإجراءات التي تتّخذها الحكومة لمعالجة الأمر على ضوء الجريمة والاعتداء اللذين تعرض لهما الجيش اللبناني على يد منظمة «فتح الإسلام». ورأى عدد من السفراء أن هذه الدعوة جاءت في محلها، وخصوصاً بعد موجة التصريحات والبيانات والمواقف «المتناقضة» التي صدرت عن مسؤولين في الحكومة وقادة في فريق 14 آذار وغيرهم، الأمر الذي وضع الجسم الدبلوماسي العربي أمام صورة ضبابية للمشهد السياسي وجعله يطرح التساؤلات عن الموقف الفعلي للحكومة مما يجري على الساحة الداخلية، ورؤيتها لكيفية التعاطي مع أزمة مخيم «نهر البارد» وتداعياتها.
واذا كانت المذكّرة التي وزّعها السنيورة على السفراء العرب وضمّنها عرضه لمجريات الأحداث وحقيقة ما يجري على الأرض، وخصوصاً في المخيم المذكور، وعزم الحكومة على التصدي للإرهاب قد روت غليل السفراء بعض الشيء في الحصول على معلومات توضح رأي السلطة في الأحداث الراهنة، فإن نقاشاً هادئاً وموضوعياً شهده لقاء السرايا أظهر أن هناك أكثر من استفسار وملاحظة حول طريقة تصرف الحكومة وفريقها السياسي مع القضايا والأحداث التي تتوالى في لبنان.
وعلمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة على أجواء الاجتماع بين السنيورة والسفراء العرب أن الأول بادر الحاضرين مرحّباً بهم وقائلاً إن الهدف الأساسي من دعوته لهم هو الاستماع الى آرائهم ومقترحاتهم والإفادة من تجاربهم وخبراتهم، لافتاً الى أنه أجرى اتصالات هاتفية بعدد كبير من الرؤساء العرب الذين وضعهم في صورة الأوضاع التي يشهدها لبنان، وتشاور معهم بشأنها، فيما تعذّر عليه الاتصال بكل من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس السوداني عمر البشير لأسباب تقنية معلناً أنه سيعاود المحاولة لاحقاً.
وشدّد السنيورة على ما ورد في المذكّرة من «أن لبنان عازم على محاربة الإرهابيين لحماية نفسه وتأمين سلامة وأمن كل قاطنيه من لبنانيين وفلسطينيين وآخرين»، مكرّراً أكثر من مرة بأن «لا تهاون ولا تسامح مع من تعرّضوا للجيش، «واصفاً «فتح الإسلام» بـ «مجموعة متطرفة تضم بين صفوفها مقاتلين أجانب وإرهابيين من جنسيات مختلفة دخلوا البلد خلسة».
وتوقّف السنيورة عند الخطاب الأخير الذي ألقاه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وخصوصاً قوله بوجود خطين أحمرين واحد يتعلق بالجيش والثاني بدخول المخيم، معتبراً أن مثل هذه المقاربة خاطئة من منطلق أنها تحدّ من تحرك الجيش وتضع عوائق أمام القبض على المجرمين الذين غدروا به وسوقهم الى العدالة.
وذكرت المعلومات أن عدداً من السفراء من بينهم السفير المصري حسين ضرار تناولوا ما صدر عن وزراء في الحكومة وقادة في الأكثرية من مواقف منتقدة لخطاب نصر الله، ولفتوا الى أن الأمر يتكرر عند كل محطة سياسية، بحيث تؤدي حدة الخطاب المعتمد وردود الفعل المختلفة التي يجري التعبير عنها داخل الفريق الواحد أحياناً، الى التشويش وعدم معرفة الاتجاه الذي تسلكه الحكومة إزاء هذا الموضوع أو ذاك.
وتقدم هنا أحد السفراء باقتراح يقضي بتكليف الحكومة ناطقاً رسمياً باسمها يتولى الإدلاء بالتصريحات التي تعبّر عن مواقفها حين يستدعي الأمر ذلك، منعاً لأي التباس أو تأويل قد ينجم بفعل التضارب في الآراء التي تصدر من داخلها، وحتى تكون «الصورة الرسمية» واضحة ليس عند السفراء فحسب بل عند اللبنانيين جميعاً. وقد أبدى السنيورة تفهّماً لهذا العرض ووعد بدراسته.
وأفادت المعلومات أن السفير السعودي عبد العزيز خوجة أدلى بمداخلة هادئة تمنّى فيها على الحكومة والمسؤولين بصورة خاصة ألّا يسارعوا الى إلقاء التهم جزافاً عند وقوع حادث معين وتحميل هذه الجهة أو تلك مسوؤليته، بل أن يدعوا القضاء يأخذ مجراه حتى يقول كلمته في هذا الأمر ويكشف الحقيقة ويتم وضعها بالتالي أمام الرأي العام. ورأى أن الاتهامات المتبادلة تزيد الوضع تعقيداً وترفع من حدة التوتر ولا تساعد مطلقاً على معالجة الأزمة وإيجاد الحلول لها. ووافق خوجة غالبية السفراء وقالوا إنهم يضمّون أصواتهم الى صوته.
من جهته، تطرّق السفير ضرار الى ما يتردّد عن قيام بعض من في السلطة في التوسط للإفراج عن موقوفين على علاقة مع «فتح الإسلام» أو غيرها من التنظيمات الأصولية. وتوجّه الى الرئيس السنيورة قائلاً «إن هناك من تحدث عن مشاركتكم في هذه المسألة». وقد ردّ الأخير نافياً بشدة ما يشاع بهذا الصدد، مؤكداً حرصه الشديد على عدم التدخل في عمل القضاء، ممازحاً السفير المصري بالقول: «يبدو أنني أُعطيت صفة جديدة لم أكن أعلم بها من قبل».