إبراهيم الأمين
تختتم اليوم في دمشق الجولة الأخيرة من الوساطات الدولية التي تتعلق بمشروع المحكمة الدولية. ويراهن فريق 14 آذار، مثل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، على خروج الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خالي الوفاض من زيارته السورية، بحيث تسير الأمور في مجلس الأمن الدولي سريعاً نحو خطوة عملية تترجم بإقرار مشروع المحكمة بغالبية أصوات الدول الأعضاء في مجلس الأمن.
لكن موظفين كباراً في المنظمة الدولية يرافقون بان، الذي كان أمس في قطر، لفتوا الانتباه إلى أنه لا يملك اقتراحاً محدداً لدمشق، وأنه يريد الاستماع إلى وجهة نظر سوريا في أمور عدة بينها ملف المحكمة والقرار 1701 والوضع في العراق وفلسطين. ولفت هؤلاء الى أنه ليس لدى الرجل ما يكفي من الاطلاع بما يمكّنه من تكوين رأي يدخل تعديلات على الوجهة الأميركية ـــ الفرنسية التي تقود مجلس الأمن. وأوضح احد الموظفين أن التغييرات التي أجراها بها بان في مكتبه، وفي عدد من المواقع، لم تشمل على الإطلاق ـــ أو حتى الآن ـــ الفريق الذي يتولى أموراً لسوريا علاقة بها، من ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن إلى ممثله في لبنان غير بيدرسون إلى مساعده القانوني نيكولا ميشال، إلى فريق عمل الأخير وبينهم موظفة تحمل الجنسية الإسرائيلية سبق أن استفزّت دبلوماسيين آخرين بمواقف ضد العرب وضد سوريا ولبنان خصوصاً.
وذكر مصدر مطلع لـ «الأخبار» أن المحادثات السورية مع الأمين العام للأمم المتحدة ستبدأ في الجو، حيث سيكون وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع بان في الطائرة التي تقلّه من الدوحة الى دمشق اليوم. وكان الرجلان قد تحادثا سريعاً على هامش أعمال المنتدى السابع للديموقراطية والتنمية والتجارة الحرة الذي بدأ أعماله امس في العاصمة القطرية.
وبحسب المصدر نفسه فإن دمشق التي راجعت الملفات السابقة الخاصة بالعلاقة مع المنظمة الدولية، وضعت برنامجاً للمحادثات مع الأمين العام للأمم المتحدة يركّز على الآتي:
ـــ الترحيب به في إطار إسماعه وجهة نظر مختلفة عن التي يسمعها من الفريق المسيطر على المؤسسة الدولية والذي يركّز على الهجوم على سوريا ويحمّلها مسؤولية أمور كثيرة في المنطقة منها تهريب الأسلحة إلى لبنان وعرقلة قيام المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ـــ التشديد على موقف سوريا الرافض إقرار مجلس الأمن الدولي لمحكمة تكون سابقة في التعامل من جانب مجلس الامن مع القضايا الخلافية في الدول، وإبلاغ بان بأن حماسة المجلس لخطوة من هذا القبيل تعدّ انتصاراً من المنظمة الدولية لفريق على آخر في بلد صغير. وفي هذه الحالة سيعدّ القرار الدولي قبولاً بما عرضه رئيس حكومة في لبنان ورفضاً لما تقدّم به رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى الانقسام السياسي اللبناني، الامر الذي يعدّ سابقة ستهدّد النظام الديموقراطي والاستقرار العام.
ـــ سيصار إلى لفت انتباه بان إلى أن دمشق سبق أن جربت حظها مع المسؤولين الدوليين في ما يتعلق بمناقشة نظام المحكمة. ويكشف المصدر المطلع أن سوريا سبق أن أرسلت المستشار القانوني لوزارة الخارجية السورية الى المنظمة الدولية حيث عقد سلسلة اجتماعات مع ميشال، الذي لم يأخذ بأي من الملاحظات السورية على آلية إنشاء المحكمة ونظام عملها، مبرراً ذلك بأن دمشق تقدم اقتراحات لا تعنيها بل تتعلق بالدولة اللبنانية. وذكّر المصدر الأمين العام للمنظمة الدولية بأنه، بناء على هذا الموقف، قررت سوريا التعامل مع ملف المحكمة كأمر لا يعنيها، وقرر الرئيس السوري بشار الأسد التأكيد على أن أي قانون يمسّ السيادة السورية لا يمكن التعامل معه من جانب دمشق. ويبدو أن بان سيسمع كلاماً من هذا القبيل.
ـــ ستشرح سوريا وجهة نظرها بأن ما يجري الآن على صعيد المحكمة الدولية يجب ألا يكون خاضعاً لاعتبارات من النوع الذي يتعلق بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، وأن الامم المتحدة ـــ والدول التي تعدّ نفسها مساندة لخطوة من هذا النوع ـــ ستكون مسؤولة أمام العالم وأمام الشعب اللبناني عن نتائج خطوة من هذا النوع، وأنه يصعب القبول بموقف من النوع الذي يتجاهل نصف الشعب اللبناني على الأقل، ولا يهتمّ لإجماع دولي كامل. وهو ما سينعكس سلباً على الجميع.
ـــ ستؤكد سوريا للمسؤول الاممي أن النقاش حول واقع الأزمة اللبنانية يجب أن ينطلق من العمل على تعزيز فرصة الحوار بين الأطراف اللبنانية وعدم الأخذ بمقولة الحوار المسدود. ومع أن الجميع، بمن فيهم دمشق، سمعوا تقويماً يشير إلى الفشل في إقناع الجهات اللبنانية بالتوصل سريعاً إلى اتفاق في شأن المحكمة وغيرها، فإن دمشق ترى أن فكرة التطمينات التي قدمتها الولايات المتحدة وفرنسا إلى كل من الرئيس فؤاد السنيورة ووليد جبنبلاط وسمير جعجع بأن غالبية تسعة اصوات في مجلس الامن باتت مضمونة، تعني تشجيعاً لهذا الفريق على رفض الحوار مع الآخرين، أما إذا إفهمت الدول الكبرى والمنظمة الدولية هذه القوى باستحالة اللجوء إلى خطوة لا تحظى بإجماع غالبية لبنانية حقيقية، فإن ذلك سيدفع بهؤلاء إلى البحث عن آليات توصل إلى نتيجة من خلال الحوار.
ويبدو أن سوريا التي سبق أن ناقشت الأمر مع موفدين دوليين سابقاً، ليست متفائلة كثيراً بزيارة بان، لكنها ترى أن في الأمر فرصة لعرض وجهة نظرها بطريقة مختلفة، لا سيما بعد ما سمعته من الموفد الروسي ألكسندر سلطانوف قبل أيام، والذي كان قد نقل مناخاً تشاؤمياً حول واقع الأمر في لبنان، وكيف أن الخلافات بين أطرافه كبيرة وعميقة بما يظهر صعوبة توقّع إجماع لبناني على المحكمة، الأمر الذي يستفيد منه الفريق الراغب في اقرار المحكمة في مجلس الأمن.
ولم يخفِ المسؤول السوري أن الرئيس الفرنسي يؤدي دوراً خاصاً في هذا المجال، وأنه يجري اتصالات يومية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويطلب منه موقفاً داعماً، وألحّ عليه مراراً للتحدث مع الرئيس فؤاد السنيورة. ومع ذلك فإن المسؤول السوري لم يخفِ موقف بلاده المحرج إزاء رفض مشروع لمحكمة دولية، ما فهم بأن الامر قد يسير في مجلس الامن وان بشكل اعرج.