strong> ثائر غندور
فرح، طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها. رسمت قلوباً صغيرةً وكبيرةً، وأضافت إلى جانبها عيناً تدمع. رافقتنا في جولة على غرف مركز محو الأمية في باب التبانة في طرابلس الذي يتولّى أيضاً مهمة التدريب الحياتي والمهني للأطفال العاملين. «هذه غرفة الكوافير» تقول فرح وتعرّفنا بالمدربات فيها، ثم ترشدنا إلى غرفة الكومبيوتر، وتشرح لنا كيف تعلّمت العمل عليه.
هي أخت لثلاث بنات وستة شبان، والدها يعمل في بيروت منذ أكثر من سنة، ولا تعرف فرح ماذا يعمل ومتى سيعود. كل ما تعرفه أنها أمضت أكثر «من عشرين سنة في المركز»!!. وهناك تعلّمت فرح الرسم: «بحب إنو ارسم قلوب»، لكن قلوبها تختلف كثيراً عن القلوب المنتشرة على اللوحات الإعلانية. فهي «لا تحب الحياة» ولا «تريد العيش بكرامة»، كل ما تريده هو الاستمرار في المجيء إلى المركز حيث ترسم وتلعب «ورق على الكومبيوتر»، و«تصفّ عليه ما تطلبه المدام ريما».
فرح واحدة من تسعين طفلاً يستفيدون من مركز «جمعية رينيه معوّض» في باب التبانة. سنتان من عمر المركز، حوّلت العلاقة بين الناشطين والأطفال إلى حب ومودّة، لكنها لم تستطع، بالتأكيد، كسر الجليد بينهم وبين الأهالي وأرباب العمل. وتشرح منسقة المركز ريما صليبا أسباب العلاقة المتوتّرة: أرباب العمل لا يريدون أن يخسروا يداً عاملة رخيصة: «على رغم أننا نطلب إذناً منهم لمدة ساعتين بعد الظهر فقط لتدريب الأطفال»، لكنها تستدرك فتضيف: «ربما يخافون من أن يعرف الأطفال حقوقهم». أمّا الأهالي فلا يريدون خسارة مورد رزق، أو تعريض الفتيات الصغيرات لتلطيشات وتحرشات جنسية من شبّان المنطقة على الطريق من وإلى البيت. وهناك نظرية منتشرة جداً في المنطقة تقول صليبا، وهي «ما حاجة الفتاة إلى التعلّم بما أنّها ستتزوج؟».
الدخل الذي نتحدث عنه لا يتجاوز في أفضل حالاته عشرة آلاف ليرة لبنانية أسبوعياً ويتدنى ليصل إلى خمسة آلاف ليرة بدل سبعة أيام عمل، «فيعطي الطفل لأهله أربعة آلاف ويلعب فليبر بالألف الباقي».
لا تنحصر المشكلة في باب التبانة بـ«مورد الرزق»، بل يُضاف إليه واقع مأساوي آخر. يأتي طفل لم يتجاوز ثماني سنوات وفي جعبته «موسى» أو خنجر، وبطبيعة الحال، هذا يتنافى مع مبادئ المركز الذي يسعى إلى خفض مستوى العنف بين الأطفال والشباب من طريق تطوير مهارات التواصل وحلّ النزاعات وقبول الآخر المختلف. المشكلة هنا، «أن هذه المنطقة ترفض الاختلاف بشكل كبير، وخصوصاً الجنسي والديني وتعوّدوا أن تُحلّ الأمور بالضرب»، تقول ريما صليبا. وتشير إلى أنه حين مراجعة الأهالي في ما يتعلق بحمل أولادهم أدوات حادة (موسى، سكين، خنجر...) يأتي الردّ حاسماً: «كيف سيعيش أولادنا في باب التبانة إذا لم يحملوا ما يدافعون به عن أنفسهم؟». لذلك لجأ العاملون في المركز إلى العمل مع الأهالي أولاً، وإقناعهم بضرورة تعليم أولادهم، ثم مع الأطفال، على رغم أن صليبا غير واثقة من قدرة المركز على إحداث تغيير ملحوظ في المنطقة بسبب عدم تأدية أجهزة الدولة واجباتها، «فالسلاح منتشر كما يعرف الجميع بشكل كبير في باب التبانة» تقول ثم تبتسم. وتعود للحديث عن مشكلة أخرى، هي المذهبية والعنصرية. فهذا الطفل لا يريد أن يدخل الصف لأن هناك آخر شيعياً أو علوياً... أو سورياً. «فهم يحفظون ما قاله أهلهم في المنزل ويرددونه هنا».
زيارة مركز محو الأمية في باب التبانة كان في إطار جولة إعلامية قام بها مشروع «قدموس» في المراكز العاملة في إطاره في الشمال، حيث شرحت رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل طموحات الوزارة في مجال تحديث القوانين وزيادة عدد المفتشين، أملاً في أن تسمح الظروف السياسية بتسريع تنفيذ البرامج!.
ثم انتقل الوفد الى المركز الزراعي التابع لـ«مؤسسة رينيه معوض» في مجدليا حيث شرحت ناديا مكداشي منسقة برنامج التربية والوقاية في جمعية «سكون» برنامج المهارات الحياتية، مشيرةً إلى أنه «يهدف إلى تقوية القيم الإيجابية لدى الشباب، وبات يسجل نسباً مفاجئةً من النجاح من حيث تطبيقه».