نقولا ناصيف
يتمسك رئيس المجلس نبيه بري بإشاعة مناخات إيجابية عن قرب التوصّل إلى حل للأزمة اللبنانية، من دون الإسهاب في عرض نتائج الجهود المبذولة. ويعزو تفاؤله إلى أنه «لم تعد هناك مشكلة خارجية لبلوغ الحل اللبناني. لكن حذري هو من المشكلات الداخلية فقط. العرقلة ستكون داخلية». وإذ ينفي وجود «أي نية للعرقلة لدى المعارضة»، يقول: «عيني على الموالاة، وأدعو الله أن يهدينا ويهديهم».
أما ما يتحفظ بري عن الخوض فيه، فهو التفاصيل. فالرجل، في ضوء معطيات متوافرة لديه عن نتائج القمة السعودية ــــــ الإيرانية التي انعقدت السبت الفائت (3 آذار) في الرياض، متيقن من عزم الدولتين على إيجاد حل للأزمة اللبنانية، خصوصاً في حصيلة ما أبلغه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى العاهل السعودي الملك عبد الله من أنه «جاهز للقيام بكل ما يُطلب من إيران لمساعدة اللبنانيين في التوصّل إلى الحل المتوخى». يعزّز هذا الاعتقاد، في رأي بري، الدور الذي يضطلع به الوسطاء المعنيون، سلباً وإيجاباً، لبلوغ الحل. وبعدما استقبل مساء الأحد لساعة ونصف ساعة السفير السعودي عبد العزيز الخوجة العائد لتوه من المملكة، وبحث معه في سبل سدّ أي ثغرة محتملة في التسوية، يستقبل بري اليوم تباعاً السفيرين الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنارد إيمييه لمناقشة مراحل الحل الذي يُناقش في ظل تحسّن مطرد للعلاقات السعودية ــــــ السورية التي تعبّر عن رهان رئيسي لرئيس المجلس على تحقيق الاستقرار الداخلي.
وتحدوه ذلك على قراءة اجتماع بغداد في 10 من الجاري الذي تشارك فيه دول جوار العراق ومصر والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على أن «ينعقد للجارة كي تسمع الكنّة»، في تلميح إلى جانب مكتوم من مهمة الاجتماع، هو مباشرة حوار أميركي ــــــ سوري وأميركي ــــــ إيراني في العراق، واستطراداً ــــــ وإن كبداية ــــــ في المشكلات الإقليمية الأخرى المرتبطة بهذا البلد.
يقول بري: «الأصح في هذا الاجتماع أنه اجتماع بغداد من أجل دول الجوار، وليس اجتماع دول الجوار من أجل بغداد».
وما يتحفظ عن كشفه رئيس المجلس، يتحدث عنه بعض المعلومات وفق الآتي:
1 ــــــ الصيغة النهائية لمشروع الحل تكاد تكون جاهزة. وتقضي بتأليف حكومة وحدة وطنية تحصل فيها المعارضة على الثلث المعطل في مجلس الوزراء (15 + 9 في حكومة الـ24 أو 19 + 11 في حكومة ثلاثينية) في مقابل ضمانات تقدمها لقوى 14 آذار بعدم عرقلة سير العمل الحكومي ولا تهديد مصير الحكومة، والاتفاق على تعديل بعض أحكام المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالتزامن مع تأليف الحكومة الجديدة، بحيث يصار إلى إقرار المشروع المعدّل مجدداً في الحكومة الجديدة ثم في مجلس النواب. بذلك ــــــ إذا شقّت هذه التسوية طريقها ــــــ تدخل البلاد في مرحلة استقرار انتقالية حتى موعد انتخابات رئاسة الجمهورية الخريف المقبل.
2 ــــــ ستكون صيغة التسوية أشبه بـ«صبّة سقف»، متكاملة ودفعة واحدة من غير أن تستثني أحداً. مفاد ذلك أن لا أحد من طرفي النزاع سيربك موقعه ويضع نفسه خارجها. في المقابل لا تشمل التسوية بتّ أزمة الحكم أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة كما تطالب الغالبية، ولا انتخابات نيابية مبكرة كما تطالب المعارضة. وسيقتصر الأمر على إدراج وضع قانون جديد للانتخاب في متنها.
3 ــــــ بات من باب لزوم ما لا يلزم القول إن مشروع المحكمة الدولية سيقر، ولكن معدلاً بما لا يُغضب الغالبية الحاكمة، ولا يقلق المعارضة. واستناداً إلى مصادر دبلوماسية عربية في بيروت تتابع عن كثب الاتصالات البعيدة عن الأضواء، فإن اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد الماضي أطلق صفارة قطار التسوية في موضوع المحكمة الدولية، عبر الموقف الذي اتخذه الوزراء العرب في حضور وزير الخارجية السوري وليد المعلم، القاضي بتحقيق توافق لبناني على إقرار مشروع المحكمة الدولية، الأمر الذي يأخذ في الاعتبار موقفي الرياض ودمشق من المحكمة أيضاً على غرار ما يلح عليه طرفا النزاع اللبناني.
وبحسب معلومات جهات واسعة الاطلاع فإن تعديلاً ينتظر أن يطرأ على البند الذي تتحفظ عنه المعارضة في مشروع المحكمة الدولية المتعلق بعلاقة المرؤوس بالرئيس. وطبقاً لما تنسبه هذه المعلومات إلى الرياض، فإن الأخيرة باتت تتفهّم وجهة النظر المحيطة بالتحفظ عن هذا البند، وخصوصاً لجهة الحؤول دون أي تسييس للمحكمة وتأكيد مهمتها الجنائية في كشف قتلة الرئيس السابق للحكومة اللبنانية.
ويبدو أن هذا البند كان، على نحو غير مباشر، في صلب المحادثات التي أجراها الرئيس سليم الحص في الرياض (18 شباط). يومذاك سأل الملك عبد الله الحص عن ملاحظاته على مشروع المحكمة الدولية، فعدّد الرئيس السابق بعضها، ومنها تناقضه مع صلاحية العفو الخاص المنصوص عليها في الدستور اللبناني، ومع عقوبة الإعدام التي لا يزال يلحظها القانون اللبناني، ومع السيادة المطلقة التي ينيطها الدستور بالسلطة القضائية اللبنانية. لكن الأبرز في ما قاربه الحص هو بند علاقة المرؤوس بالرئيس، قائلاً للملك إن جعلها مطلقة أمر خطير، متسائلاً لو أن ضابطاً في جيش دولة أقدم على اغتيال أحد ضيوف ملك هذه الدولة أو رئيسها، وقد يكون هذا الضيف من الملوك والرؤساء، هل يقتضي ذلك اعتبار الملك أو الرئيس مسؤولاً عن الجريمة التي يكون قد ارتكبها هذا الضابط؟ الأمر الذي يقتضي، استناداً إلى الحص، وضع معايير جدية ومدروسة لتحديد العلاقة حيال مسألة ارتكاب الجرم. يصحّ ذلك أيضاً على البند الآخر في مشروع المحكمة الدولية المتعلق بربط الجرائم السابقة لاغتيال الحريري واللاحقة لها بعضها ببعض لكشف القتلة والفاعلين، وقد نصّ قرار مجلس الأمن رقم 1644 على إحداث هذا الربط. غير أن المعلومات نفسها تتحدث عن ضمانات تقدمها الرياض لتجنيب المحكمة الدولية أي تسييس، وتأتي في سياق تفاهمها مع دمشق على الدور الذي تقوم به المحكمة الدولية.
يدفع ذلك كله إلى إخراج المحكمة الدولية من قفص التعريف الذي وضعها فيه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وبعض حلفائه في قوى 14 آذار، بسعيهم إلى حصر مهمتها في إدانة نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتحميله مسؤولية اغتيال الحريري والجرائم ومحاولات الاغتيال والتفجيرات التي سبقتها وتلتها.
4 ــــــ يتفق طرفا النزاع على تأييد تأليف حكومة وحدة وطنية، ويختلفان على تقدير حصة كل منهما داخلها. وبينما تقول قوى 14 آذار إنها حكومة 19 + 10 + 1 لتزعم المعارضة أنها حكومة 19 + 11، تقول المعارضة إنها حكومة 19 + 11 لتزعم قوى 14 آذار أنها حكومة 19 + 10 + 1.
هكذا يبدو خلاف الطرفين، أحدهما يرى نصاب الحكومة الجديدة حسابياً، والآخر سياسياً. المعارضة تريد الثلث المعطل عدّاً ونقداً. والغالبية تريده مخصيّاً.